من حق كل إنسان بالطبع أن تكون له رؤيته في مستقبل وطنه . وفي طبيعة كل ما يدور فيه . وقد يكون من نافلة القول في المقام الذي نحن فيه أن نؤكد أنه لا يجوز لأي شخص أو فريق أن يفسر موقف مخالفه بسوء نية أو باتهام يدعي فيه لنفسه حرصا وإخلاصا يبخل بهما على الآخرين .
ولا نظن أن من حق أي طرف في الصف الوطني أن يحتكر لنفسه الإحساس بالتعاطف مع الضحايا والتوجع على الدم المسفوك فالألم السوري واحد ، والجرح السوري يدمي قلوب الجميع .
إن الخضوع لدواعي الألم في هذا الصراع المرير هو استجابة مباشرة لما راهن عليه بشار الأسد منذ أن أعلن أنه ذاهب إلى معركة كسر الإرادات . بل إن في هذا الخضوع تشجيعا للمجرم ولحلفائه على المبالغة في العدوان والقسوة لأن ذلك كما يقولون أوشك أن يؤتي ثماره …
بقلوب يعتصرها الألم والتسليم لقضاء الله نقول لبشار الأسد وحلفائه والمخوفين منه : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل .
عندما نستمع إلى وزير الخارجية الروسي والإيراني يحتجان حتى على تزويد الثائرين برغيف الخبز فإن دلالة موقفهم المباشر تقول : أعينوا بشار الأسد على كسر إرادة هؤلاء المتمردين بحرمانهم وتجويعهم حتى يخضعوا وينزلوا على أمره صاغرين .
من الحق أن نذكر بما يفرضه علينا قول الرسول الكريم : ( المسلمون عند شروطهم ). وعهدنا يجب أن يكون عهد بر ووفاء . ولا يجوز لأحد أن يفكر بالالتفاف على عهدهم مع شعوبهم أو تجاوزه .
منذ اليوم الأول للثورة أعلنت كل القوى السياسية التحامها بالثوار على الأرض ، وتمسكها بالوفاء لتطلعاتهم ، وتمثيلهم على خير وجه وبقدر المستطاع فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
كانت كل مطالب الثوار وثوابت الثورة بعد عام واحد من اندلاع هذه الثورة واضحة بيّنة لا لبس فيها ولا غموض . ومن الحق أن نذكر أن هذه الثوابت وإن كانت محل إجماع ثوري فإنها لم تكن موضع إجماع القوى السياسية . بمعنى أن الساحة الوطنية لم تخل من فريق أو هيئة تختلف على هذه الثوابت ، وتقترح بدائل عنها ؛ إلا أن سياق المعارضة الوطنية العام في المجلس الوطني وفي الائتلاف الوطني وفي العديد من القوى والتيارات الوطنية الأخرى كانت فيه هذه الثوابت محل إجماع . وهذا يدفعنا إلى القول إنه ليس من المقبول لمن لا يؤمن بهذه الثوابت – ولا يضير أي إنسان أن يكون له رأي مخالف فيها – أن يتسلل إلى صف المتمسكين بها فيوهنه أو يحدث الخلل فيه . ..
لا يحتاج السوريون الذين يعيشون الحدث والقرح معا أن يشرح بعضهم لبعض حقيقة ما يجري على الأرض السورية . وطبيعة العصابة المستبدة بالإنسان والوطن على مدى خمسة عقود .
ومع أن الحديث عن حل سياسي يظل هو النهاية المتصورة نظريا لكل صراع ، إلا أن خصوصية الحالة السورية ، ولامعقولية الطرف المتسلط فيها يجعل المزاج الثوري يتهم الذين يتحدثون عن هذا الحل من غير السوريين بالعجز عن الفهم أو الإدراك ويقول لهم إن القضية أكبر من ( قبضة عدس ) كما تصورون أو تتصورون . كما يجعله يتهم الذين يتحدثون عنه من السوريين بما هو أكبر من ذلك من تفريط أو استهتار .
الحوار الجاد يكون بين أطراف متساوين وليس بين فريق متسلط وآخر سقف تطلعاته حذاء عسكري داس وجوه السوريين منذ الأيام الأولى للثورة في بلدة البيضة . داسها مدعوما بقوى الشر الدولية والإقليمية التي ينتظر منها اليوم أن تكون ضامنة للحوار ولمخرجات هذا الحوار !!!!!!!!!!!!
والحوار يكون على هدف واضح محدد وليس في ضباب تنفسه ثعابين العالم مموها بالألوان . إن ما كشف عنه فابيوس وزير الخارجية الفرنسي أمس عن انهماك المندوبين الروس والأمريكيين في التوافق على فرق سحرة فرعون من اليمين ومن اليسار يكشف الكثير مما مكثنا أسابيع غير قادرين على فهمه وتفسيره . فوراء الأكمة ما وراءها ، في الوقت الذي يهون فيه على البعض أن يهدر تضحيات الشهداء وأن يعود بالسوريين إلى بيت الطاعة الأسدي إن استطاع .
إن أقل ما يسببه هذا التهويم في سديم الثرثرة عن حوار وحل سياسي بشروط طالما سمعنا أشد منها قبل مدريد وبعدها بل وما نزال نسمع عن شروط السلام ( الجميل ) الكثير .
إن أقل ما تسببه هذه الثرثرة غير القاصدة هي أنها تمنح القاتل الفرصة للمزيد من القتل ليقتل ، وليدمر أكثر في بنية الإنسان والعمران . ولأننا نواجه حالة عبثية لن يكون إتاؤها إلا الاشتراك في إضاعة المزيد من وقت الثورة والثوار فنحن نواجه حالة من الاشتراك نرفض أن نسميها باسمها في هذا السياق .
وتمنح هذه الدعوة العبثية المجتمع الدولي – ثانيا – المزيد من الذرائع ليخفي تخاذله وتأخره عن الوفاء باستحقاقات القانون الدولي خلفها . فما أن أطلقت هذه الدعوة حتى أصبحت هذه مضغة بين لحيي كل ماضغ ، ودريئة يختبئ وراءها كل العاجزين والمفرطين والمستهترين .
وثالثا وأخيرا فإن هذه الدعوة الخارجة على ثوابت الثورة والثوار ستسبب من التشققات في صف القوى الوطنية السورية ما جعل كل شبيحة الأسد في السر والعلن ينشغلون بالترحيب بها ، والتصفيق لها ، واتهام كل من يحاول الإشارة إلى مخاطرها وتداعياتها بما لا يعقل ولا يليق..
أيها الشرفاء الأحرار على كل الثغرات قفوا وتأملوا …
معذرة إلى ربنا ..