بقلم: محمد عبد الكريم النعيمي
عامان على الثورة السورية.. قد تبدو المدة طويلة إذا ما قورنت بالمُدد التي استغرقتها ثورات الربيع العربي، بدءاً بتونس ومروراً بمصر وليبيا وانتهاء باليمن.. ولكنها قصيرة جداً إذا ما أخذ بعين الاعتبار حجم الكبت والإرهاب الذي كانت تمارسه سلطة الأسدين الأب والابن ضد المواطن السوري، وكيف تمكن هذا المواطن من كسر حاجز الخوف، وكيف نحت في الصخر ليصل إلى هذه المرحلة من تمدد الثورة واشتعالها في أنحاء سوريا..
قصيرة جداً إذا ما نظرنا إلى النتائج المتحققة والمتوقعة من وراء انتصار الثورة..
فالثوار في سوريا لا يواجهون نظاماً أمنياً متهالكاً يائساً كنظام بشار الأسد، بل هم يواجهون قوتين معتبرتين تجيدان اللعب بقذارة، إحداهما دولية تتمثل في روسيا التي تتخذ من أجساد السوريين حقل تجارب لأسلحتها، تماماً كما تتاجر بأجساد “عاهراتها” هنا وهناك.. والأخرى إقليمية كشفت عن وجهها الطائفي والتوسعي البغيض، بعد عقود من التدثر بغطاء “المقاومة والممانعة”، وتَعتبر سوريا جزءاً مهماً من حزام طائفي ناري يطوق العالم العربي تمهيداً لابتلاعه، تتمثل في إيران وأذنابها الموتورة في المنطقة.
ليكون قدرَ الشعب السوري أن يتحمل وحده عبء كسر هاتين الشوكتين الناشبتين في خاصرة الأمة جمعاء..
وليكون قدرَ هذه الثورة التي أثبتت ازدواجية المجتمع الدولي وعجز العالم العربي عبر مؤسسات هرمة مهترئة، أن تدفع العالم إلى إعادة النظر في تلك الهيئات ومواثيقها القاصرة، وهيكليتها المجحفة.
عامان أزكمت فيهما رائحة معايير الديمقراطيات الغربية الأنوف، وأحرجت الناعقين لنقل معاييرها كما هي إلى عالمنا العربي، بعيداً عن موروثنا الإسلامي والحضاري والإنساني.
عامان استطاعت خلالهما الشعوب أن تكشف زيفَ الشعاراتِ الجوفاء للقومية، وحقيقة مزاعم التصدي والممانعة، والتي لطالما رقصت على أنغامها تلك الشعوب المغيبة.. وأن تفضح كهَّان هذه المعابد الوثنية التي اقتاتت على قمع الشعوب وقهرها بالإعلان الأبدي لحالة الطوارئ والأحكام العرفية، بحجة الاستهداف الاستعماري.
عامان سقطت خلالهما التيارات اليسارية والقومية سقوطاً مدوياً في الامتحان الأخلاقي الذي شكلته الثورة السورية، وتكشفت الأقنعة عن وجوهٍ كانت تشفي غليل المواطن العربي بالنيل من الأنظمة العميلة.. رغم أنها لا تقل عنها عمالة وانحطاطاً كما تبيّن.
إذن.. عامان من عمر ثورة بهذه الظروف المعقدة، وبهذه النتائج المتحققة والمرجوة.. لا يكادان يُذكران، اللهم إلا بالنظر إلى حجم الضريبة الباهظة، والتضحية البشرية المأساوية، والتي ما زالت تدفع دون حساب حتى الآن من دماء الشعب، وبالنظر إلى حجم دمار البنية التحتية والفوقية للقطر السوري.
ولكنه ثمن الحرية التي ثار لأجلها الشعب.. وهي معنى سام كريم يستحق كل قطرة دم أريقت من أجساد السوريين، الذين أطلقوا شرارة الثورة وهم أعلم بإجرام العصابة المتسلطة، وأصبر على تحمل الآلام، وأقدر الشعوب على بناء دولة الحرية والعدالة.