الكاتب: إبراهيم الحسون أبو حمزة الرقي الأمين العام لمعهد إعداد القضاة عضو مجلس أمناء المجلس الإسلامي السوري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد….
فقد شاهدتُ اللقاءَ الذي تكلم فيه فضيلة الشيخ سارية الرفاعي -حفظه الله- عن القتال الدائر في الغوطة وأسبابه، فرأيتُ أن أعلق على كلام الشيخ حول تكفير السلفية للأشاعرة، وأن القتال الدائر في الغوطة سببه هذا التكفير، وبالتالي استحلال الدماء.
فبداية أقول : إنني أربأ بالشيخ -حفظه الله- أن يعرض الأمر بهذه الطريقة المستفزة والبعيدة عن الحقيقة، وهو ابن مدرسة عريقة في الدعوة، فيها رموز يفخر بهم السوريون، فعلى رأسهم فضيلة الشيخ عبد الكريم الرفاعي -رحمه الله- والد الشيخ، وفيهم الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي -حفظه الله- أخوه الأكبر، وهما اللذان عُرفا بالدعوة للاصطفاف السُّني في وجه الغزو الرافضي، وبالدعوة لنبذ الفرقة وما يثيرها.
أما تعليقي على ما جاء في اللقاء فإنه على فرض أن أفرادًا من السلفيين صدر منهم عبارات توهم تكفير الأشاعرة واستحلال دمائهم، فإنه لا يصح من الناحية التأصيلية نسبة قولهم هذا للسلفية وهي لا تقرهم على ذلك، وإلا كان علينا نسبة قول مفتي النظام أحمد حسون في تدمير مناطق أهل السُّنة للأشاعرة، بل ونسبة قول البوطي في تزكية جيش الطاغية النصيري للأشاعرة كذلك، إذ لا يخفى أن البوطي يعتبر من منظري المذهب الأشعري في هذا الزمن.
ومن جهة أخرى فإن مئات المشايخ الذين ما زالوا في صف الرافضة والنصيرية هم من الأشاعرة، وكثير من المشايخ الذين كانوا يتقربون إلى الله بكتابة التقارير للفروع الأمنية بحق شباب ومشايخ سوريين بتهمة السلفية أو الإخوان هم من الأشاعرة أيضًا، وهم في المقابل يلتقون بالرافضة ويلمعون صورتهم ويفتحون لهم أبواب سورية، فهل يصح نسبة كل هذه المصائب للمذهب الأشعري؟ بالتأكيد لا، لأن تصرفات الأفراد ومواقفهم ليست حاكمة على المذهب، بل العكس هو الصحيح.
أما من الناحية التفصيلية، فإن الشيخ لم يصرح مَن يقصد بالسلفية الذين صدر منهم تكفير الأشاعرة؟ لذا سنعرض كل الاحتمالات:
1- من المؤكد أن الشيخ لا يقصد تنظيم داعش، لأن العديد من الفتاوى صدرت من جهات سلفية وغير سلفية تنسبهم لمنهج الخوارج، وبالتالي فهم ليسوا سلفيين، بل أزيد على ذلك أن أول وأكثر مَن حذر منهم وحاربهم هم السلفيون، بل السلفيون هم من أخرجهم من الغوطة بسبب منهجهم الخارجي .
2- إن كان الشيخ يقصد جبهة النصرة، فهذا خطأ من وجوه:
أولًا : جبهة النصرة جزء من تنظيم القاعدة الدولي والذي تتمحور أدبياته على مبادئ تحكيم الشريعة والجهاد وإقامة الخلافة، وليس فيها ذكر مواضع الأشاعرة والسلفية بل هو الحليف التاريخي لتنظيم طالبان الماتريدي الحنفي ولا يعرف أنهم كفّروا شخصًا لمجرد سلفيته أو أشعريته.
ثانيًا: أن النصرة حليف لفصيل فيلق الرحمن الذي يعتبر كثير من مشايخه أشاعرة، ضد فصيل يُنسَب للسلفية هو جيش الإسلام.
ثالثًا: وجود عدد من الأشاعرة في صفوف الجبهة وكان الشيخ أبو أحمد عيون -رحمه الله- من المقربين منها وليس هو بالسلفي.
رابعًا: وجودها ضِمْن تشكيل جيش الفسطاط الذي يحتوي توجُّهات عقدية مختلفة.
3- لم يبق لدينا إلا فصيل جيش الإسلام، وهو الذي يغلب أنه المقصود بكلام الشيخ، ولهذا سأفصل الكلام عن هذا الفصيل بالتحديد على النحو التالي:
أ- مما لا شك فيه أن من أفظع الأخطاء التي وقعت بها الثورة السورية أنها أخذت أبعادًا أيديولوجية أدت بعد ذلك إلى التصنيف ثم الاقتتال، وكان الأَوْلى بها البقاء على عقيدة الإسلام الفِطْري التي يحملها غالبية الشعب السوري، وذلك أن أي خطأ يقع من هذه الفصائل (الإسلامية) سينسب للدين الذي تحمله، سواء أكان سلفيًّا أم أشعريًّا أم غيره. ومن أسوأ ما قامت به هذه الفصائل هو محاولة خندقة مجاهديها ضِمْن فكر معين، وقدّم هذا الفعل على العمل الأهم وهو رفع المستوى الإيماني والأخلاقي عند المجاهدين، مما أدى للمخالفات والأخطاء التي رأيناها في الساحة. وإن كان جيش الإسلام يسعى لهذا فهو مخطئ بلا شك ولا يصح أن يقوم المشايخ السلفيون باختزاله بالسلفية، وقد سُئِل الشيخ زهران علوش -رحمه الله- بحضوري: لماذا لم تسمِّ الجيشَ عند تأسيسه باسم الجيش السلفي؟ فقال: لأني أردته لكل المسلمين.
وفي المقابل كان من أميز الصفات التي عند فيلق الرحمن، أنه كان جيشًا حرًّا يضمّ كل السوريين، حتى اختزله بعض المشايخ بالأشعرية، وزعموا أنه محارَب لأنه أشعريّ، وما أعلمه عن الأخ أبي النصر شمير -حفظه الله- قائد فيلق الرحمن، أنه ضابط منشق لا ينتمي سوى للفطرة، وليس لديه أيديولوجيا لا سلفية ولا أشعرية. بل الذي وصل إليَّ أنه كانت هناك محاولات اندماج بينه وبين الجيش قبل فترة.
ب- لا أعرف -على حد علمي- أن أحدًا من جيش الإسلام كفّر أحدًا بناء على أنه أشعري، وإن كان عند الشيخ دليل على ذلك فكان الأحرى به أن يظهره ويفضح هذا القائل أمام المسلمين حتى يحذروا منه، بل الذين أعرفه أن أحد خصوم جيش الإسلام في هذه الفتنة فصيل ينسب للسلفية وهو جبهة النصرة، وأن بعض قادة الفيلق -منهم الشيخ أبو محمد القادري حفظه الله- ينتسب للمعتقد السلفي، فضلًا عن وجود أشاعرة في صفوف جيش الإسلام، من أبرزهم الشيخ سعيد درويش حفظه الله، وبناء عليه لا يصح القول إن جيش الإسلام يكفر الفيلق لأنه أشعري. ويشهد بهذا بعض المشايخ الأشاعرة المقربين من جيش الإسلام، مثل الشيخ حسن الدغيم حفظه الله.
ج- أن كِلَا الفصيلين -وأقصد هنا فيلق الرحمن وجيش الإسلام- كان ضِمْن القيادة الموحدة للغوطة، وهما يوقّعان البيانات التي تصدر بالجيش الحر، ومن آخِرها بيان إنهاء الهدنة الذي صدر قبل أيام. ولم يصرح أحد منها أنه خاصّ بالسلفية أو الأشاعرة دون غيرهم.
وبعد هذا العرض أستطيع أن أخرج بالنتائج التالية:
1- أنه لا يصح القول إن أحد الخصوم كفَّر الآخر لمجرد انتسابه لمذهب فقهي أو عقدي والبينة على مَن ادعى، وأقصد هنا مصطلح التكفير وليس أي مصطلح آخر.
2- أنه لا يصح وصف نسبة فصيل لمذهب عقدي بالمطلق بسبب وجود أشخاص يحملون توجُّهات عقدية مختلفة فيه، وإن كان يغلب توجُّه على آخَر عند القيادات فقط وإلا فإنه من غير المعقول أن يعرف آلاف المجاهدين في الفصيلين تفاصيلَ الخلاف في مسائل دقيقة جدًّا في العقائد.
3- من أكبر الأخطاء التي وقع فيها المشايخ أنهم نسبوا الفصائل لمدارسهم الخاصة وتوجُّهاتهم سواء السلفية منها أو الأشعرية أو غيرهما. مع أن الفصائل نفسها لم تصرّح بهذا مطلقًا، وما فعله المشايخ بهذه النسبة أنهم زادوا الفجوة بينها، وأعطوا الفرصة أن تلبس الخلافات التي بينها لباس الشرع.
4- أن العودة لمفهوم الجيش السوري الحر بمعتقده الفطري البعيد عن الخلاف هو الأصلح لمنع الاقتتال المبني على التوجه الفكري والعقدي.
لذلك أرجو من مشايخنا أن يكونوا سببًا في التخفيف من أسباب الفتن لا إلباسها لبوسًا منهجيًّا قد يزيدها ويمد في عمرها. ونحن نعرف أن المشكلة لها أبعاد مناطقية وحظوظ نفس بشرية فضلًا عن تدخلات السَّبَئِيِّين الذين مازال هذا دأبهم من لدن عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا.
وختامًا أقول للإخوة المجاهدين: والله لأن يحكم فيكم أسوأ المسلمين أشعريًّا كان أو سلفيًّا فإنه خير لكم من عودة الطاغية النصيري وإن بقيتم على هذا الحال فإنه قادم إليكم، فهذه سُنَن التفرق والاقتتال.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- محذرًا من التحزُّب والتفرُّق:
«فَأَمَّا الِانْتِسَابُ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ خُرُوجٌ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالِائْتِلَافِ، إلَى الْفُرْقَةِ، وَسُلُوكِ طَرِيقِ الِابْتِدَاعِ وَمُفَارَقَةِ السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ؛ فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
نسأل الله أن يؤلّف بين قلوبنا ويجمعنا على دين الفطرة، إنه وليّ ذلك والقادر عليه والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .