الكاتب: سلامة كيلة
طرح مصطلح سورية المفيدة منذ مدة، وكان يعني أن السياسة الإيرانية تميل، بعد اختلال ميزان القوى في الصراع السوري إلى غير مصلحتها ومصلحة النظام، إلى تشكيل “دولة علوية”، تمتد من دمشق مروراً بالقلمون وحمص، وصولاً إلى الساحل. لهذا، سيطرت على القلمون وحمص، لضمان الامتداد الجغرافي. فتكرّر المصطلح انطلاقاً من ذلك. لكن، ما زال هناك من يكرّر أن المسار يفضي إلى بناء سورية المفيدة، بعد أن تدخل الروس، وأعادوا تغيير ميزان القوى، ويعملون على حسم الصراع على الأرض.
يبدو أن رئيس وفد المعارضة في المفاوضات، أسعد الزعبي، ما زال لم يفارق “زمن إيران”. لهذا، عاد يكرّر الفكرة نفسها، أي أن ما يجري هو بناء سورية المفيدة، وكيان كردي في الشمال. كما يبدو أنه لا يعرف “الطموح الروسي”، ولا إصرار النظام على السيطرة على كل سورية. وهو، كذلك، يجهل الوضع على الأرض، الوضع الذي يشير إلى “الترتيب” الذي يشتغل عليه النظام مع إيران وروسيا، والذي يهدف إلى دحر الكتائب المسلحة وفرض السيطرة التامة على كل سورية.
لا يعرف أسعد الزعبي حاجة روسيا لحقول النفط في شرق سورية، حيث وقعت الشركات الروسية عقود استثمار بعضها منذ سنوات، وأكملت ذلك سنة 2012، وشركاتها تنشط فيها الآن، أي وهي تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث نشرت المعلومات عن التعاون النفطي بين “داعش” والنظام وروسيا. وبالتالي، لا يعرف أن “داعش” هذه هي شكل السيطرة الروسية على الشرق السوري، والذي يجب أن يبقى جزءاً من سورية الخاضعة لسيطرة النظام، وتحت الانتداب الروسي، إنها أداة روسية. وأن داعش تحاول التمدد والسيطرة على الجزء الباقي من الحدود مع تركيا، بالتعاون مع الروس والنظام وإيران. لهذا، “تضمن” روسيا سيطرتها على الشرق والشمال السوريين، إذا استطاعت ذلك.
أما المناطق التي توجد فيها المجموعات السلفية والجيش السوري الحر، وما زالت تدافع عنها، فما يمكن أن يقوم به الروس والنظام وإيران هو تعزيز دور جبهة النصرة، لتخريب “بيئة الثورة”، ومن ثم ربما للسيطرة الكاملة على تلك المناطق، وهزيمة الثورة والمجموعات السلفية فيها. ومن ثم عقد تفاهمات مع “المقاتلين” في تلك المناطق وغيرها، لتتحقق السيطرة الكاملة على كل سورية. ربما هذه هي الإستراتيجية الروسية، وروسيا تناور في المفاوضات، والتي تعني أنها تهدف إلى كسب سورية وليس جزءاً منها. لهذا، تنشر القواعد العسكرية، ليس في الساحل فقط، بل في حمص وتدمر أيضاً.
ربما مالت إيران أمام ضعف قدرتها، بكل القوى التي أتت بها من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها، إلى أن تفكر بالحفاظ على “سورية المفيدة”، لكن التدخل الروسي أشاح النظر عن الفكرة، وبات الهدف هو السيطرة على كل سورية، أي هزيمة الثورة التي جرى اختراقها بمجموعاتٍ أصوليةٍ وسلفية “جهادية”، والتي يمكن أن يلعب بعضها دوراً خطيراً للوصول إلى ذلك.
ليس تقسيم سورية مطروحاً، ليس نتيجة كل ما سبق فقط، بل لأن الميل إلى التقسيم يمكن أن يفضي إلى حربٍ إقليميةٍ، نتيجة خوف تركيا من تفكيكها، وحتى إيران تخاف المصير نفسه، فهما دولتان تتشكلان من قوميات. وبالتالي، لا يشير الوضع الدولي إلى قبول ذلك، هذا ما يظهر واضحاً في شمال العراق، حيث لم يستطع الأكراد الحصول على الاستقلال، على الرغم من السيطرة الكاملة على الشمال. لهذا، ما هو ممكن في سورية هو “الفيدرالية” القائمة على أساس طائفي وإثني، لكن في دولة “موحدة”، خاضعة لروسيا. وهذا يتوافق مع مصالح روسيا التي تريد سورية كاملةً، وليس سورية المفيدة.
الوضع أدق من أن تُطلق التصريحات على عواهنها، من دون أن يُفهم الواقع بعمق ودقة، فالأمور لا تحتمل التصريحات العشواء، والتخويف من أوهام، وتجاهل المشكلات الحقيقية.