التوعية النوعيةالثورة السوريةخطبخطبة الجمعةكاتبمتابعات وتوجيهاتمحمد أبو النصر

من دروس سورة الكهف (1) – فتن سورة الكهف وحال ثورتنا

سورة الكهف

‫#‏خطبة_الجمعة‬
‫#‏الشيخ_محمد_أبو_النصر‬
بعنوان: فتن سورة الكهف وحال ثورتنا

التاريخ: 18/ جمادى الأول/1437ه
الموافق: 26/ شباط/2016م
المدة: 20 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى:
1- فضل سورة الكهف، وما الحكمة من الأمر بتدبُّرها أسبوعيًّا؟
2- سورة الكهف وضَّحت أصل الفتن الأربع في الدنيا
3- فتن الدين والمال والعلم والسلطة، وموضع ذِكرها في السورة وقصَّتها.

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
4- ثورتنا والفتن الأربع، مطبَّاتٌ أخَّرت النصر.
5- كيف تضافرت الفتن الأربع وارتبطت ببعضها.
6- من لم يُعصم مِن الفتن في المرحلة الأولى، كيف سينجو من فتن دجاجلة هذا العصر (أمريكا وروسيا).

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّةَ وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد عباد الله…

يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29)

ويقول عزَّ من قائل: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155)

حديثنا اليوم أيُّها السادة عن سورةٍ من سور القرآن، عن سورةٍ من كتاب الله العزيز عن سورةٍ أوصانا نبيُّنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم – بتلاوتها وقراءتها في كلِّ أسبوع، تلك السورة أيُّها الإخوة هي (سورة الكهف) تلك السورة التي وصِّينا بقراءتها في كلِّ أسبوع، وهذا يعني أن نتدارسها وأن نتدبَّر معانيها كلَّ أسبوع، تلك السورة التي ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها ما رواه النسائي والبيهقي وغيرهما عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم -قال: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين) [صحيح الإسناد]

وقد روى الإمام مسلمٌ في صحيحه والترمذي وأبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ” مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ”. وفي حديث شُعبة (مِن آخر الكهف).

أيها الإخوة الكرام: عندما نتحدث عن سورةٍ تنير لنا ما بين الجمعتين، وعندما نتحدث عن سورةٍ من حفظها – وهذه إشارة إلى من فهمها وتدبَّرها – عُصِم من فتنةٍ كفتنة الدجَّال، فلابدَّ أنَّ هذا يعني أنَّ لهذه السورة مزيَّةً خاصَّة، وهذا يعني أنَّها أتت بمواضيع خطيرةٍ ومهمَّة ذات طابع خاص – وكلُّ ما في القرآن مهم – فكما أنَّ الناس في الحروب يحفرون المغارات والكهوف ليحتموا بها وليلتجئوا إليها ، فكذلك هذه السورة سمِّيت سورة الكهف لذكر الكهف فيها، ولكنَّها بما علَّمنا الله فيها غدت كهفًا يعصم من الفتن لمن سمع واتعظ، إذ أنَّ هذه السورة ذكرت أُسَّ الفتن – أصول الفتن – في هذه الحياة الدنيا…

فقد أجملت هذه السورة وعالجت وبيَّنت أصول الفتن الموجودة في الدنيا وذكرت بعد كلِّ واحدةٍ منها حلَّها وعلاجها والعاصم منها، لكي لا تقع فيها أيُّها المسلم، ولكي لا يقع فيها مجتمع المسلمين.

هذه الفتن أيها السادة – الفتن الأربع الرئيسية في هذه الدنيا – : (فتنة الدين وفتنة المال وفتنة العلم وفتنة السلطة) أربع فتنٍ مترابطةٌ مع بعضها هي أصل فتن هذه الدنيا : (فتنة الدين وفتنة المال وفتنة العلم وفتنة السلطة)

أما الفتنة الأولى ففتنة الدين: تلك الفتنة التي بيَّنتها السورة الكريمة عندما تحدَّثت عن قصة أصحاب الكهف عن الشباب الذين (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، عن الشباب الذين لم يرضوا الذلَّ ولم يرضوا الكفر ولم يخضعوا للطاغوت فانتفضوا عليه ووقفوا في وجهه على ضعفهم وقلَّة عددهم فنصرهم الله وأنجاهم بما لم يحتسبوا.

أمَّا الفتنة الثانية أيُّها السادة فهي فتنة المال، تلك الفتنة التي لا يسلم منها إلَّا المؤمنون حقًّا وقد بيَّنتها السورة الكريمة في قصَّة صاحب الجنَّتين وفي حواره مع صديقه (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) (الكهف:32)، هذا المقطع من السورة أيها الإخوة تحدَّث عن فتنة المال وعن خطورة أن يطغى الإنسان إذا رزقه الله ووسَّع عليه.

أما الفتنة الثالثة التي ذكرتها السورة الكريمة فهي فتنة العِلم إذا اغترَّ الإنسان به وقد وضَّحتها السورة الكريمة في قصَّة موسى عليه السلام مع الخَضِر؛ إذ ظنَّ موسى – عليه السلام وهو النبي وهو كليم الله – ظنّ أنَّه أعلم من على في زمانه فأراه الله أنَّ هناك من هو أعلم منه في مسائل.

أمّا الفتنة الرابعة أيُّها السادة فهي فتنة السلطة؛ فتنة الحكم والسلطان، تلك الفتنة التي افتتن بها كلُّ من ولي أمرًا من أمور العباد أو غدا صاحب قوَّةٍ ونفوذ وشوكة، فمنهم مقتصدٌ وقليلٌ منهم سابقٌ بالخيرات وأكثرهم الظالمون والعياذُ بالله، وقد وضحت السورة الكريمة هذه الفتنة وعلاجها في قصَّة الملك العادِل ذي القرنين (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) (الكهف:83)

أربع فتنٍ أيُّها الأحبَّة ذكرتها السورة الكريمة ووضَّحت علاجاتها، ولمَّا ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فضل هذه السورة وربطه بالعصمة من الدجال فما ذاك – والله أعلم – إلّا لأنَّ الدجال يجمع بين هذه الفتن الأربع حيث يفتن الناس في دينهم ومعه من الأموال شيءٌ كثير بل حتى ورد في الحديث أنَّ معه جنة ونار يفتن بهما الخلق[قال – صلى الله عليه وسلم – : “الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ” رواه مسلم] فمن أطاعه أوهمه بأنَّه سيدخله جنَّته فتكون عاقبته إلى النار، ومن عصاه أخافه بناره وتكون عاقبته عند الله إلى الجنَّة….

يفتن الناس في دينهم يوهمهم بأنَّ لديه جنَّةً ونار، ولديه من العلم والجدل ما يصد به الناس عن الدين الحق مما يأتيهم به، ومعه من الرئاسة والمنصب والسلطة شيءٌ كبير فالأرض كُلُّها تخضع له عدا مكة والمدينة مما يجعل فتنته من أعظم الفتن، وقد جمعت بين الفتن الأربع وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن من حفظ العشر الآيات الأولى من سورة الكهف عصم بإذن الله من هذه الفتنة القادمة (فتنة المسيح الدجال)…

وهذه إِشارةٌ منه – صلى الله عليه وسلم – لنصٍّ فيه النجاة والسلامة من الفتن التي سيجيئُ الدجَّالُ بها؛ فالنجاة والعواصُمُ مِن تلك الفتن القواصِم تجدها أيها المسلم في سورة الكهف – وهذا لا يكون إلّا لمن تدبَّر كلام الله فسمِع وأطاع واتبع – ولهذا أوصاك حبيبك أيُّها المسلم بقراءة هذه السورة في كلِّ أسبوع لتتدبَّر ما جاء فيها، فكلام الله لم ينزل للقراءة فقط، بل لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ… بل فاتَّبعوه واتَّقوا لعلَّكم تُرحمون ..

تدبُّرٌ وفهم ثمَّ اتباعٌ وتقوى، اللهم اجعلنا من أهل الاتباع والتقوى ولا تجعلنا ممن يقولون ما لا يفعلون …

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، أمَّا بعد إخوة الإيمان:
ونحن نتحدَّث عن أصل الفتن ومنشئها، ونحن نتحدَّث عن الفتن الرئيسة في هذه الدنيا فتنة (الدين والمال والعلم والسلطة) لابدَّ أنَّ نعلم أنَّ هذه الفتن تكون على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعات وعلى مستوى المجتمعات والدول، فيفتن بها الفرد وتُفتن بها جماعة، ويُفتن بها مُجتمع … ولعلَّنا لو نظرنا إلى حال مجتمعنا عمومًا وعلى مستوى ثورتنا وجهادنا خصوصًا، لوجدنا أنَّ أصل مشاكلنا تردُّ إلى هذه الفتن الأربع التي ذكرنا إذ ابتلي بها جهادنا ولم نلتزم بالعواصِم التي أمرنا الله بها.

أمّا فتنة الدين، فهذه أصل ما افتتن به هذا الشعب المسلم، وما هذه الثورة وهذا الجهاد إلّا ليكون الدين كلُّه لله، أوليست هذه الثورة استجابة لأمر الله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (الأنفال:39) فهناك من سمِع هذا وفتن في دينه ولم يستجب لأمر الله، وهناك من سمع ففهم واعتبر واستجاب وأطاع فعمِل وجاهد فنجى – فيما يظهرُ – من الفتنة الأولى، فلما بدأ من نجى من تلك الفتنة بالجهاد في سبيل الله بدأت مشاكلنا التي تضافرت فيها الفتن الثلاثة الباقية وهي فتنة المال والعلم والسلطة…

كيف لا ؟! والفتنة الثانية هي فتنة المال، ولعلَّ كثيرًا منَّا يذكر سنة ألفين وثلاث عشر، يوم فتحت للفصائل المجاهدة أبواب المال، فتحت على مصراعيها من اللُّقط إلى آبار النِفط، فانشغلوا بها عن الجهاد وما رعوها حقَّ رعايتها وإن كانت لتغنيهم عن سؤال الناس، فافتتنوا بها وغدوا يتقاتلون عليها، وزيَّن لهم الشيطان ذاك التنافس بالفتنة الثالثة؛ بفتنة العلم، زيَّن لهم الشيطان منافسة إخوانهم بل مزاحمتهم ومشاحنتهم وأحيانا مقاتلتهم بفتنة العلم، كيف لا، وكلٌّ منهم يعتبر نفسه وجماعته أعلم أهل الأرض!! كيف لا، وكلٌّ منهم يرى في أنَّ جماعته وحزبه هم الطائفة المنصورة التي لا حقَّ إلا بها ومعها؟!! وما ذاك إلا بحججٌ واهية كانوا يبرِّرون بها لأنفسهم ولمن معهم، إذ أنَّ الشيطان فتنهم بفتنة العلم، فتوهَّموا أنَّهم في ذاك على الحق، وضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، فتنافسوا الدنيا، وتنافسوا بالغلوِّ، وتنافسوا بالمزاودة على بعضهم حتى كرَّهوا الناس بدين الله … وما مردُّ ذلك في الحقيقة إلّا لوقوعهم في الفتنة الرابعة الخطيرة ألا وهي حبُّ السلطة والملك، فتنة حبِّ التسلُّط على رقاب الناس، تلك الفتنة التي فُتن بها الأولون والآخرون …

أربع فتن أيُّها السادة ذكرناها باختصارٍ وإجمال هي أصل البلاء، لو نظرنا في حالنا أفرادا وجماعاتٍ ومجتمعات، لعرفنا أنَّ مردَّ مصائبنا إلى هذه الفتن الأربع (فتنة الدين وفتنة المال وفتنة العلم وفتنة السلطة) التي ذكرتها سورة الكهف وبيَّنت علاج كلِّ واحدةٍ … هذه الفتن التي وقع فيها في ثورتنا من وقع، أراد الله بحكمته ومشيئته أن يبدِّل حالنا لتأتي ظروف تمحِّص الخلق ليبقى الصادقون المخلصون، إذ أنَّ من وقع في الفتن الأربع لن يستطيع أن يقف في وجه فتنة دجالي هذا الزمان، كيف سيقف في وجه الدجالين أمريكا وروسيا ومن معهما، وهم يقولون للناس معنا الجنَّة والنار، وعندنا النجاة أو الهلاك ، نحن القوة ونحن المال ونحن السلطة … فلا عاصم من فتنتهم إلا بالاعتصام بكتاب الله، ولن ينجو من فتنتهم إلا من اعتصم بكتاب الله فعرف علاج الفتن الأربع وسلم منها لذلك كان لابدَّ لنا أن نفصِّل في شرح كلِّ واحدةٍ منها مبيِّنين علاج كل فتنةٍ منها تفصيلًا كما وضحه كتاب الله، ولكنَّ الوضع اليوم لا يسمح بالإطالة، فنترك ذلك إن شاء الله إلى لقاءاتٍ قادمة إن أحيانا الله وجمعنا في قابِل إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير وبالإجابة جدير….

إنِّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى