ترفع الحركات الإسلامية الأممية شعارا، مما كلّفها الكثير دون نتائج إيجابية لها، سوى حصدها للعداوة العالمية وتجييش العالم ضدها، والأسوء من ذلك أن شعار العالمية الذي ترفعه، لم تستفد منه حتى ولو بالتعلم من تجارب بعضها بعضاً، وتحديداً تلك المتعلقة بتجارب الموت والحياة فضلاً عن تجارب تتعلق بتطوير أدائها و ترف الحياة، مناسبة الحديث هو مقتل زعيم حركة طالبان أفغانستان الملا أختر منصور بطائرة أميركية بلا طيار، وهو عائد من إيران إلى باكستان، وذلك في نفس الشهر الذي قُتل فيه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، قبل خمس سنوات، والمتهم الرئيسي في الحادثتين هو إيران، بينما المنفذ من الجو هو أميركا..
كنت قد تابعت بدقة مقتل زعيم تنظيم القاعدة، وخرجت منذ الأيام الأولى للحادثة بحسب مصادر باكستانية وسعودية وزوجة ابن لادن نفسه، أن الأخيرة حين كانت في ضيافة طهران زارات طبيب أسنان إيراني بسبب وجع عانته من أسنانها، وأن توقعات الكل بعدها، بمن فيهم ابن لادن نفسه كما أشارت زوجته وأشارت إلى ذلك وثائق أبيت آباد التي أفرج عنها لاحقاً الأميركيون، تفيد أن طهران زرعت جسماً غريباً في أسنان زوجته مكنها من تتبعها حتى وصولها إليه، وهو ما سهّل على واشنطن قتله في أبيت آباد، ولكن المجهول في القصة كلها هو أن لا أحد يعلم حجم الثمن الذي قبضته إيران بعد هذه الخيانة الكبرى أو بعد هذه الصفقة العظمى، التي قدمت لأوباما أهم رأس مطلوب أميركياً، ولعل الثمن كان تعهد أوباما لإيران بالتوقيع على الاتفاق النووي والسماح لها بالعبث بالأمن العربي على هواها دون حسيب أو رقيب، مع وجود الحسيب والرقيب لكن على كل قوة عربية وإسلامية تريد الوقوف بوجهها..
اليوم تثبت الأيام أن حركة طالبان أفغانستان ليس فقط لم تتعلم من القاعدة التي استضافتها وخسرت مُلكها بسببها، وقبلت بيعة زعيمها الجديد الظواهري لمنصور، وإنما كررت نفس الخطأ القاعدي الذي لا يزال ضبابياً في سياسته تجاه إيران العدو الأول اليوم للعرب والمسلمين في العراق وأفغانستان والشام واليمن وووو، فراح أختر منصور برجيله إلى إيران، وهو ما لم يفعله حتى ابن لادن والظواهري نفسه على ما يبدو، وتعجب أكثر حين تعلم حجم العداء التاريخي والمذهبي بين إيران والبشتون، ثم بين طالبان وإيران بعد تنكيل الحركة بديبلوماسييها في مزار الشريف، ومع هذا تثق طالبان بإيران، ولكن المكر الصفوي تناسى ذلك كله من أجل جرّ أرجل قائد الحركة وزعيمها وبيعها في سوق نخاسة للأميركيين، فكان مقتله بمنطقة توشكي ببلوشستان قرب الحدود الإيرانية، حيث أجرت باكستان تجاربها النووية عام 1998 ولعل في ذلك دلالة بدفن الكبرياء الباكستاني في تلك الصحراء التي ينظر إليها الباكستانيون على أنها محل فخر وكبرياء لهم، أمر دفع ربما وزير الداخلية الباكستانية إلى القول ” لماذا لم يُستهدف زعيم طالبان في إيران ويستهدف في باكستان.”
على الرغم من كل الدماء التي سالت وكل الخراب الذي أحدثته السياسة الصفوية لا تزال حركات وجماعات تنظر إلى إيران من ثقب مصالحها الصغير المتضارب والمتناقض مع مصالح الشعوب والأمة ماضياً وحاضرا ومستقبلا، ضاربة بعرض الحائط بكل تضحيات وعذابات الأمة، لتؤكد من جديد أن هذه الحركات منفصلة عن واقع المجتمعات العربية والإسلامية، وإن رفعت ألف شعار وشعار أممي وعالمي وكوني، فالعالمية والكونية ليست في الشعارات وإنما في الممارسات، وأولاها الالتحام مع الأمة وشعبها ونخبها فهي البوصلة الصحيحة للخلاص والإنقاذ..