يعيش المواطن السوري في بحر من الأزمات:
أزمة أمنية، وأزمة نفسية، وأزمة اجتماعية، وأزمة فكرية، وأزمة اقتصادية…
وما يهمني الآن هو جانب من الأزمة الاقتصادية، فالدخل الحقيقي للمواطن السوري في انخفاض مخيف، وهذا الانخفاض يجري بصورة مستمرة…
ولانخفاض الدخل الحقيقي أسباب كثيرة، وما يهمنا في هذا المقال أن نشير إلى الانخفاض المستمر في قيمة العملة السورية، والتي أدّت إلى انخفاض في الدخل الحقيقي للمواطن.
فكانت قيمة الدولار عند بداية الثورة تعادل (45) ليرة سورية، والآن أصبح الدولار يعادل (625) ليرة سورية تقريباً؛ أي أنّ العملة السورية انخفضت بمقدار (14) ضعفاً، وهذا يعني أنّ دخل المواطن السوري يجب أن يتضاعف (14) ضعفاً حتى لا ينخفض دخلُه الحقيقي، والذي حصل أنّ دخل المواطن مازال قريباً من دخله قبل قيام الثورة؛ وهذا يعني بكل بساطة أنّ دخله الحقيقي قد أصبح في الحضيض…
ولدينا هنا سؤلان:
السؤل الأوّل: من المستفيد ومن الخاسر من تدهور قيمة العملة السورية!؟
السؤال الثاني: كيف يمكن مواجهة هذه المشكلة الخطيرة!؟
وجواباً عن السؤال الأوّل نقول:
ـ المستفيد من انخفاض قيمة العملة أربع جهات:
الأولى ـ التجار والصناعيون والصيارفة: فهؤلاء لا يتعاملون بالعملة السورية عادة، فمبيعاتهم تكون على أساس الدولار، واستغل كثير منهم الأوضاع الاقتصادية المتردّية وحقق أرباحاً كبيرة على حساب الشعب المستضعف، ولم يكتف الصيارفة الكبار بتحقيق الأرباح من خلال فوارق أسعار الصرف؛ بل هناك شَبَكَات كبيرة لتهريب الدولار من المناطق المحررة إلى مناطق النظام، وحقق هذا للصيارفة أرباحاً مخيفة…!!!
الثانية ـ النظام السوري: فالنظام السوري يقوم بإصدارات نقدية غير مغطاة ويطرحها في الأسواق، وبنفس الوقت يسحب الدولار من المناطق المحررة، مقابل هذه العملة الرديئة، وكذلك يُغطي رواتب موظفيه من خلال طرح الدولار في الأسواق مستفيداً من انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار.
الثالثة: المغتربون: فالمغترب الذي يقبض بالعملة الأجنبية استفاد من فرق سعر الصرف بين عملته الصعبة وبين العملة السورية المتدهورة…
الرابعة: من يقبض أجره بعملة صعبة داخل الأراضي السورية، مثل الذين يعملون في المنظمات الأجنبية داخل سورية، وكذلك كثير من القادة العسكريين…
ـ الخاسر من انخفاض قيمة العملة: يخسر من انخفاض العملة السورية عموم الشعب السوري، والذي يشمل الطبقتين المتوسطة والفقيرة، وهاتان الطبقتان تمثلان ما يقرب من 95% من الشعب السوري.
فالقطاع الزراعي في سوريا وبكل فئاته يكاد يصل إلى مرحلة الانهيار، والعمّال في كل القطاعات الاقتصادية أصبحوا في عمومهم دون خط الفقر، وكذلك الموظفون وأصحاب المهن الحرّة…
ومعلوم أنّه إذا كانت نسبة 95% من الشعب تكون بهذا المستوى المتقهقر؛ فهذا يعني أنّ الاقتصاد سيصل قريباً إلى مرحلة الانهيار شبه الكامل…وهذا ينذر بالشؤم على المستويات العسكرية والأمنية والنفسية والاجتماعية…
جواب السؤال الثاني:
هذه المشكلة الاقتصادية يتضافر في حلّها العديد من العوامل، لكنْ هناك عامل جوهري يساعد كثيراً في حلّ هذه المشكلة، ويكمن هذا في إيقاف التعامل بالعملة السورية في المناطق المحررة، واستبدالها بأيّ عملة أجنبية مستقرة، كالدولار أو العملة التركية أو كلتيهما…
وقد أشرنا إلى تفصيل هذا الموضوع في كتابات سابقة، ولكننا نؤكد هنا إلى أنّ التداول بغير العملة السورية في المناطق المحررة يحقق المزايا الاقتصادية التالية:
1 ـ القضاء على السبب الرئيسي لتدهور الدخل الحقيقي للمواطن في المناطق المحررة.
2 ـ يساعد على الاستقرار في الأسعار.
3 ـ يُنشّط الحركة الاقتصادية في مختلف القطاعات الاقتصادية في المناطق المحررة.
4 ـ يساعد على تدهور قيمة العملة في اقتصاد النظام.
5 ـ يحرم النظام من تصريف عملته الجديدة في المناطق المحررة.
6 ـ يحرم النظام من فوارق سعر الصرف ما بين الدولار والعملة السورية التي يستفيد منها من خلال تهريب العملات والتجارة مع المناطق المحررة.
والآن قد يسأل سائل: كيف يتم تطبيق التداول بعملة جديدة!؟
على أرض الواقع يتعامل التجار والصناعيون وأصحاب المصالح بالدولار، وسخّروا هذا الأمر لمصلحتهم، وبقيت الأكثرية العظمى من المواطنين في المناطق المحررة تتعامل بالليرة السورية؛ لذلك لابدّ لتطبيق هذا الأمر من قوة قانونية، فيجب أن يُفرض هذا الأمر فرضاً، وهذا الأمر القسري ليس أمراً مبتدعاً، فجميع دول العالم تفرض التعامل بعملتها الوطنية بقوّة القانون.
وبالتالي يجب أن تُفرض الأمور التالية بقوّة القانون:
1 ـ جميع الرواتب والأجور في المناطق المحررة، وفي كل القطاعات، يجب أن تدفع بالعملة الأجنبية المختارة.
2 ـ التعامل في الأسواق يجب أن يكون بالعملة الأجنبية المختارة.
3 ـ تشكيل هيئة مالية لتفعيل ومراقبة عملية الاستبدال والتطبيق…
والسؤال الآن من الذي سيفرض هذا القانون!؟
يجب أن يُفرض هذا القانون من قبل الفصائل الثورية جميعها….
ولكن قد يقول قائل: إنّ الفصائل لم تتفق على الوحدة في القتال، والأدهى من ذلك أنهم يقتلون بعضهم، فكيف يتفقون على فرض أمر اقتصادي!؟
بل كيف تفرض الفصائل ذلك على المواطنين، وهي بنفسها تقبض بالدولار، وتعطي رواتب عناصرها بالعملة السورية كي تستغل عناصرَها بنفسها…!؟
نقول: هذا الكلام صحيح، فنسأل الله إن كان فيهم خيراً أن يهديَهم لكلّ أمر رشيد…
وإنْ كانوا غير ذلك أن يستبدلهم، وأن يرزقنا صلاح الدين من جديد…