وأخيرا اقتنع السيد الأخضر الإبراهيمي بما توصل إليه سلفه كوفي عنان . تسعة أشهر كانت ثقيلة على الشعب السوري . وسال فيها كثير من الدم السوري، ومع ذلك لم يصغ السيد الأخضر الإبراهيمي خلالها لنصح الناصحين ، وأصر أن يحتفظ بموقع ورقة التوت من سوأة المجتمع الدولي يستر تخاذله وتخلفه وتواطؤه على دماء السوريين ..
وما أن استروح الشعب السوري لخبر مغادرة الأخضر الإبراهيمي، حتى انطلق صوت من طهران يحرك رمة المبادرة المصرية، وذلك بعد أن أصبح لإيران اليد العليا على مصر ، فلم يكن أمام كبار الموظفين المصريين ، ولاسيما المسئولين عن تنشيط ملف السياحة الإيرانية إلى إحياء الحديث عن المبادرة التي أطلق عليها ( الرباعية ) والتي لم تشارك العربية السعودية في أي من اجتماعاتها من قبل ، فظلت مبادرة ثلاثية فقط .
وكانت المعارضة السورية بكل قواها وهيئاتها وتشكيلاتها قد أعلنت منذ اليوم الأول لإعلان المبادرة المصرية رفضها لأي مبادرة تطلق بعيدا عنها ، ودون القيام بأي تنسيق أو مشاورة معها . حدث هذا يوم كان الرئيس المصري يصدح بأعلى صوته في مؤتمر مكة أو في مؤتمر طهران : أن المحكمة هي ما ينتظر بشار القاتل ..
وأكدت المعارضة السورية يومها رفضها لأي مبادرة لا تقوم على شرط مسبق يخرج بشار الأسد وكامل زمرته العسكرية والأمنية من المعادلة السورية المستقبلية .
كما اعترضت المعارضة السورية على حشر إيران الدولة المعادية للشعب السوري في دول المبادرة ، مؤكدة أن إيران ستظل جزء من المشكلة في سورية ، ولن تكون جزء من الحل حتى تعلن تخليها الكامل عن بشار القاتل وزمرته ، واعترافها بالشعب السوري وتطلعاته المشروعة في العدل والحرية .
طويت المعارضة المصرية يومها غير مأسوف عليها ، كما يطوي اليوم السيد الأخضر الإبراهيمي أوراقه . ولكن عودة الحديث عن المبادرة تحت تأثير الوحي الإيراني يبعث اليوم ومن جديد الكثير من التساؤلات ، ويثير الكثير من الريبة والظنون والشكوك !!
مما يضطرنا إلى تأكيد القول : ستظل إيران جزء من المشكلة في سورية مالم تعلن صراحة وبلا مواربة تخليها عن بشار الأسد وزمرته العسكرية والأمنية من القتلة والمجرمين .
بل إن مستجدات الواقع اليوم تتطلب منا أن نضيف ومالم تتوقف إيران عن التدخل في الشأن الداخلي للشعب السوري ، وما لم تسحب قواتها وخبرائها وقوات حلفائها وأتباعها ومنها قوات حزب الله من سورية .
ثم نعود نؤكد إن الحل السياسي الذي يتطلع الشعب السوري إليه هو الحل القائم على الحوار الوطني بين قوى المجتمع المدني السوري للتوافق على دستور وطني يصوغ الملامح العامة للدولة المدنية الحديثة التعددية والديمقراطية . الحوار الذي لن يقبل السوريون أي شريك سلطوي فيه يديره تحت الوصاية أو الإكراه .
ومرة بعد مرة نؤكد أنه لا مكان لبشار الأسد ولا لزمرته أي مكان في معادلة سورية المستقبلية . وإن أي مبادرة لمقاربة الواقع السوري لا تنطلق من هذه المسلمات هي مبادرة مرفوضة بل منحازة إلى صف الجلاد ضد الضحايا ..
إن المساعدة التي ينتظرها الشعب السوري من أشقائه هي المساعدة على تحقيق أهدافه كما يريدها ، وليس تزيين التراجع والاستسلام تحت ادعاءات الحكمة والدبلوماسية ..
ولا بد أن نؤكد لأبناء شعبنا ولأبناء أمتنا أننا لم نكن ولن نكون قط جزء من أي مبادرة تخرج عن هذه الثوابت الوطنية المشتركة والتي تكاد تكون إجماعية بين قوى المعارضة السورية .
للدم السوري أولياؤه وهو ليس معروضا للمقايضات والمعاوضات والمبادلات . لا يكون الوفاء لدم الشهداء بالتراجع ولا بالتنازل ولا بالنكوص . وسيظل يجمعنا قول ربنا : (( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ))..
نقدر للشعب المصري الشقيق استضافته للاجئين السوريين ، ونقدر لأصحاب المشاعر الطيبة من أبنائه تجاه الثورة والثوار في سورية مشاعرهم . ومع تفهمنا للصعوبات الاقتصادية التي تعيشها مصر ، ولأبعاد الصراعات الصغيرة بين أبنائها ؛ سيظل أبناء العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين يفتقدون الثقل الاستراتيجي لمصر العربية والمسلمة في رد هجمة الغول الإيراني على هذه الأقطار . وإذ تقرر مصر أن تهجر حاضنها إلى الطرف الآخر من المعادلة لا نملك إلا أن ندعو لمصر الدولة ومصر الشعب بالحفظ والحماية والسلامة والتوفيق . كلام قد يجادلنا فيه كثير من أشقاء مصر فيقول : إنا معكم ..لهؤلاء نقول : لا يكفي أن تقول لأخيك إني معك ما لم يشعر هو أنك معه ..
واحسرتاه على يوسف …