آن الأوان لنقذفها في وجه الدنيا: كفّوا عن التلاعب بنا وكأننا دمى بلا روح أو أنعام بلا إدراك، فلسنا دمى ولا نحن من الأنعام. كفوا عن التحكم بمصيرنا وكأننا مماليك وأنتم المالكون، فلا نحن مماليك ولا أنتم مالكون.
لقد أضاع الشعب السوري حريته وضل الطريق إليها خمسين عاماً، ثم اهتدى إلى الطريق وعثر على الضالّة المفقودة، فلا تظنوا أنه سيضيعها بعد اليوم. ليس بعدما قدم للوصول إليها ما قدم، ليس بعدما أمسى عشرةُ ملايين سوري بين مغيَّب ومعذَّب وشهيد وطريد، وبعدما أكلت بلادَنا النارُ وآل شطرها إلى حطام وركام.
يتحدثون عن حل سياسي لحقن الدم؟ أين كانت حلولهم السياسية السحرية يوم خرج السوريون إلى الشوارع بأغصان الزيتون فاستقبلهم المجرمون بالرصاص؟ أين كانوا يوم استباح العدو الغاصب الحرمات وارتكب الموبقات؟ أين كانوا يوم استنجد السوريون بالعالم المتحضر، ولمّا يحملْ أحدٌ منهم حديدة ولا أطلق أحدٌ رصاصة؟
وما هو الحل الوسط الذي يريدون؟ أن نقسم سوريا نصفين، نصفاً للأحرار ونصفاً للأشرار؟ أن نعيش كل سنة ستة أشهر في الحرية وستة أخرى في الأغلال؟ أن نعاقب المجرمين يوماً بالحبس وفي اليوم التالي نستقبلهم بالتكريم والإجلال؟ أن يشارك في قيادة سوريا الحرة من كان جزءاً من عهد الظلام ونظام الاحتلال؟
كلا ولا كرامة!
إن المتابع للاجتماع المنحوس الذي عقده وزيرا خارجية ألدّ أعداء سوريا والأمة الإسلامية، كيري ولافروف، يدرك فوراً أن القوم يتعاملون مع سوريا وشعبها وثورتها كما يتعامل المالك مع المملوك، وأنهما لا يكترثان بإرادة السوريين جميعاً ولا يقيمان وزناً لرأي عشرين مليوناً من الأحرار. لو أن أحداً أراد أن يستخلص الجملة الجامعة من كل اللغو والهذر الذي صدر عنهما فسوف يجدها في قولهما “إن أميركا وروسيا تتعهدان بالضغط على الأسد والمعارضة للتوصل إلى اتفاق سياسي في سوريا”.
الضغط على المعارضة؟ الضغط على الثورة؟ الضغط على الشعب السوري المسلم العربي الأبي الكريم؟ وماذا كنتم تصنعون في ستة وعشرين شهراً خلت؟ ألم تضغطوا على السوريين الأحرار بإطلاق اليد للمجرمين ليفسدوا ويقتلوا ويرتكبوا أعاجيب الجرائم والموبقات؟ ألم تضغطوا على السوريين الأحرار بغض الطرف عن أبشع الجرائم التي عرفها القرن الجديد (كما قال ممثلوكم الدوليون)؟ ألم تضغطوا على السوريين الأحرار بالحصار الذي فرضتموه على ثورتهم وبإقامة ألف سد بينهم وبين السلاح، فيما فتحتم للعدو مخازن السلاح يغرف منها كما يشاء؟ فماذا بقي في أيديكم من ضغط لم تضغطوه وأسلوب لم تجرّبوه؟
وبأي شيء تستطيعون أن تضغطوا على شعب عرف كيف يعيش بلا أصدقاء بعدما اكتشف أنه ليس له أصدقاء؟ شعب يستخرج الورد من الشوك والرضا من الألم والنصر من الهزيمة؟ شعب عرف أن حباله بالأرض مقطّعة فتشبث بحبل السماء، فذهب كل ضغط ضغطتموه هباء ووقفتم مذهولين تتساءلون وأنتم تراقبون السلاح في يد المجاهدين: أنّى لكم هذا؟
موتوا بغيظكم يا أعداء سوريا ويا أعداء الحرية والإنسانية؛ سلاحنا نأخذه من عدونا، وطعامنا نأخذه من أرضنا، وأمننا نأخذه من إيماننا، وثقتنا نأخذها من توكلنا على ربنا؛ لا حاجةَ لنا بكم ولا بما في أيديكم من مال وسلاح، فلا تمنّوا علينا ولا تَطمعوا في تركيعنا. لن يجدي ضغطكم علينا بعد اليوم كما لم يُجدِ ضغطكم علينا قبل اليوم.
لماذا ما نزال نسمع في كل مؤتمر وكل لقاء (وما أكثرها من لقاءات ومؤتمرات، لا بارك الله فيها ولا في أصحابها!) لماذا نسمع عمّا يريدون ولا نسمع عمّا نريد؟ “أميركا وافقت” و”أميركا رفضت”…عن أي شيء تتحدثون يا أيها الأفاكون؟ هل سمعتم يوماً أن السوريين وافقوا على زيادة الضرائب أو رفضوا تعديل قانون الضمان الاجتماعي في أميركا؟ إن كنتم تظنون أنكم دولة حرة ذات سيادة فإنا نظن كما تظنون، وإن كنتم ترفضون أن يتدخل في شؤونكم الآخرون فإنا نرفض ما ترفضون. أم ظننتم أن قوّتكم وضعفنا يجيزان لكم ما لا يجيزان لنا؟ أما علمتم أن الواحد من أحرار سوريا يملك من العزيمة ما لو وُزّع على المئة منكم لكفى وفاض، وأننا نملك في قلوبنا من القوة ما يفوق قوة الحديد والنار التي تملكون؟
أتظنون أننا نجهل أن النظام الأسدي الطائفي هو صنيعة من صنائعكم وأنه ثمرة من ثمرات احتلالكم لعالمنا الإسلامي وسيطرتكم على بلادنا ومقدراتنا العددَ العديد من السنين؟ لو استطاع النظام المجرم الذي صنعتموه أن يقهر إرادتنا لاستطعتم، ولكن خاب وخبتم وخسر وخسرتم؛ لن تأخذوا منا شيئاً إلا برضانا ولن تفرضوا علينا حلاً ونحن له كارهون، فإنّا قد ثرنا لنستبدل بالذل كرامة وبالعبودية حرية، فلن نقبل أن نستبدل قيداً بقيد وأن نستدبر زخ المطر لنستقبل دلف المزراب.
أما اتفاق جنيف الذي كتبتموه في ليلة ظلماء ولم تسألونا فيه الرأي ولا باليتم برضانا عنه أو رفضنا له، ثم جئتم تبنون عليه صرحاً من الأمانيّ والمشاريع والأحلام، فاعلموا أن أمانيكم وأحلامكم سراب وأوهام، وإنا نقول لكم: انقعوا الاتفاق بماء غدركم ثم اشربوا ما تنقعون! أما النظام الذي صنعتموه وسلطتموه علينا فقد نبذناه إليكم ورددناه لكم، لا حاجة لنا به ولا بجزء من أجزائه، فاسترجعوا بضاعتكم كاملة غير مزجاة، واكفونا شركم وشر ما تصنعون.
أما إخواننا وأهلنا من المعارضين الشرفاء فإننا نهمس في آذانهم فنقول: إياكم أن تخونوا بلدكم وشعبكم وتخونوا قضيتكم وثورتكم؛ إياكم أن يجركم الأعداء إلى مؤتمر “بيع الثورة” الذي سَمّوه زوراً وعدواناً مؤتمر السلام. سوف نصدق أنه مؤتمر سلام يوم تجتمع الذئاب والنعاج في مؤتمر للسلام. بل لو صالح الذئبُ الغنمَ لما صدّقنا أن يفيَ نظامُ الاحتلال الأسدي الطائفي بعهد أو يرعى ذمة، فإن الذئاب تأبى أن يُشبَّه بها مجرمو هذا النظام الفاجر، وإنها لتخجل مما يفعلون!