1- لم ينسَوا أنه موجود، ولكنْ نَسُوا أنه هو القوة الفاعلة في الوجود. الذين يحسُبون الحسابات المادية المجردة للقوة والضعف والربح والخسارة، فلا يزالون يتحدثون عن أسلحة النظام الجبارة وعن الدعم الهائل الذي يتلقاه من حلفائه في روسيا وإيران وغيرهما من البلدان، ثم ينظرون إلى الثورة فلا يرون إلا شعباً أعزل تخلى عنه نصف العالم وناصبه النصفُ الآخر العداء، شعباً بدأ ثورته بأغصان زيتون ثم انتهى ببنادق ورشاشات، فيتحسّرون ويقولون: أنّى لغصن زيتون أن ينصر ثورة وكيف تغلب الأسلحةُ الخفيفة المدافعَ والصواريخ؟
أقول لهم: فأين الله؟
2- أمَا إني لا أعتب على هيئة التنسيق ولا على أمثالها ممّن يسمّون أنفسهم معارضين، ثم يحسُبون تلك الحسابات فينتهون إلى عجزنا عن الصمود وتحقيق الانتصار، فيدعوننا إلى الاستسلام وإلى الرضا بحل توافقي مع نظام الاحتلال والقتل والإجرام. لا أعتب على أولئك القوم إذا ما نسوا الله ولم يُدخلوه في الحسابات، ولكني أعتب على الأخ الفاضل الشيخ معاذ الخطيب وعلى أمثاله ممن نثق فيهم ونوقن باستقامتهم وصدقهم وإخلاصهم، ثم يحسبون حسابات مادية مجردة ليس لقدرة الله فيها اعتبار.
يقولون: لا طاقة لنا اليوم بالأسد وجنوده، كما قال قبلَهم قومٌ غيرُهم: لا طاقةَ لنا اليوم بجالوت وجنوده. فكانت العاقبة أن قتل داودُ جالوت وهزم المؤمنون الكافرين بإذن الله.
3- نعم، نحن لا نملك السلاح الذي يملكه عدونا وليس لنا مثلُ الذي له من حلفاء يمدونه بالدعم بلا حساب، ولكنْ معنا الله. كيف سمحنا لأنفسنا أن ننسى فضل الله علينا وعلى الثورة؟ هل بلغ بنا قِصَر الأمل أن نفقد الثقة بالله؟ لقد كان الله مع هذه الثورة من أول يوم -بفضله تعالى وله الحمد- ورعاها على عينه طول الطريق، ومَن لم يصدق فإني أثبت له ذلك بالحسابات والمعادلات.
إن منّا مَن يقول إننا لا نملك إلا خيار الحوار مع النظام لأننا عاجزون عن الحسم، وأولياء النظام يدفعون النظام إلى الحوار لأنه عاجز عن الحسم، فقد صار الواقع الذي يعترف به الجميع -إذن- هو أن الثورة والنظام متكافئان وأن أياً منهما عاجز عن حسم الصراع.
هذه الفكرة ليست صحيحة لأن الثورة تتقدم باستمرار والنظام يتقلص ويتراجع طول الوقت، ولكني سأسلّم الآن -جدلاً- بأنها صحيحة وأن الطرفين وصلا إلى حالة من التوازن بحيث يعجز كل منهما عن تحقيق انتصار حاسم على الطرف الآخر. إذا فرّغنا هذا المعنى في معادلة رياضية فإنها ستظهر على الشكل الآتي: “قوة النظام = قوة الثورة”.
4- والآن اسمحوا لي بتفكيك كل من طرفَي المعادلة إلى مكوّناته:
النظام [4950 دبابة 5900 عربة مدرعة وحاملة جند 5900 قطعة مدفعية 11600 قاذف صواريخ محمول 1100 صاروخ مضاد للطائرات 900 صاروخ بالستي 815 طائرة مقاتلة (نفاثة وعمودية) ثلث مليون جندي ربع مليون عنصر أمن ومخابرات دعم غير محدود من إيران آلاف المتطوعين من مقاتلي الأحزاب الشيعية في العراق ولبنان دعم هائل من روسيا تواطؤ دولي حصار أميركي على الثورة ومنع إمدادها السلاح ملايين السلبيين والمتخاذلين من السوريين] = الثورة [شعب أعزل].
المعادلة السابقة فيها نقص واضح، فإن أي عاقل لن يصدق أن طرفيها متساويان. لا يمكن أن تتساوى قوة شعب أعزل مع القوة الجبارة التي يملكها النظام. لا بد من وجود قوة أخرى تُضاف إلى الشق الأيسر من المعادلة لكي تستقيم الحسابات؛ يجب أن نكتب: “النظام (بكل مكوناته المفصلة سابقاً) = الثورة (شعب أعزل س).
5- ما هي القوة التي لا بد من وجودها لتستقيم المعادلة؟ القوة غير المرئية التي تعادل ثلث مليون جندي مدججين بالسلاح وربع مليون عنصر أمن ومخابرات هم أوحش من وحوش الغاب، وعشرات الآلاف من الدبابات والمدرعات والطيارات والمدافع والصواريخ، ودعماً هائلاً غير محدود من دولة عاتية عجزت عن الوقوف في وجهها دولُ الإقليم؟ ما هي القوة الخفية التي جعلت شعباً أعزل قادراً على التكافؤ مع نظام من أعتى وأقسى أنظمة الأرض تَمُدّه من خلفه دولة من أقوى دول الإقليم وتتقاطر لنجدته جموع الشيعة من كل مكان؟
هل توجد في يد الشعب السوري قوة تعادل ذلك كله؟ هل يستطيع كل أصدقاء السوريين (لو كان للسوريين أصدقاء حقيقيون) أن يقدموا لهم ذلك القدر الهائل من القوات والقدرات؟
افتحوا أعينكم يا أيها الناس وانظروا إلى الحقيقة: إنه الله رب العالمين. إنكم لن تروا الله جهرة، ولكنكم سترون يد القدرة الإلهية وهي تمتد إلى هذه الثورة وإلى هذا الشعب بالعناية الربانية، بتهيئة أسباب القوة من حيث لا يعرف أحد ولا يَقْدر أحد ولا يقدّر أحد.
إن المعادلة الحقيقية هي: نظام معه أسلحة الدنيا ودول الأرض، وشعب أعزل معه الله.
6- لقد كانت الثورة معجزة إلهية من يومها الأول، فإن البدء بها كان ضرباً من ضروب الخيال، ولو أن أحداً سأل السوريين قبلها بأيام لقالوا إن الثورة على النظام الأسدي المجرم من المستحيلات، فإن انتزاع جذوة من قلب الشمس أهون من تحدي ذلك النظام الموغل في الطغيان والإجرام.
بدأت الثورة بمعجزة وصمدت بمعجزة ونجت من كل المؤامرات والأخطار بمعجزة، وسوف تكون خاتمة معجزاتها وأعظمها هي معجزة الانتصار بإذن الله. إن كل ما نملكه من قدرات يبدو مضحكاً هزيلاً إذا ما قورن بما تملكه فرقة واحدة من فرق جيش الاحتلال الأسدي أو بما يملكه فرع من فروع المخابرات، ولكنْ مَن قال إن ما نملكه هو سبب الانتصار؟ إنما نحن أدوات وكل ما نملكه أدوات، والفاعل على التحقيق هو الله، والناصر يقيناً هو الله: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}، {وما النصر إلا من عند الله}.
7- اصبروا يا أيها الناس، اصبروا واثبتوا ولا تهنوا ولا تستسلموا. لا تتنازلوا عن حقكم ولا تعطوا الدنية لعدوّكم، لا تقبلوا بغير النصر الكامل، فقد دفعتم الثمن غيرَ منقوص:
ثمنُ المجدِ دمٌ جُدنا بهِ *** فانظروا كيفَ دفعنا الثمنا
ادعوا بدعاء المؤمنين من جند طالوت: {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغْ علينا صبراً وثبّت أقدامنا}، تكُن العاقبة لكم: {فهزموهم بإذن الله}. وادعوا بدعاء الآخرين من المؤمنين السابقين: {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}. فماذا كانت النتيجة؟ {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة}، قال أهل التفسير: ثواب الدنيا هو النصر والظفر على عدوهم وثواب الآخرة الجنة.
يا أيها المؤمنون، يا أهل سوريا الكرام: إن الناصر هو الله، وإن الله مع الصابرين، وإن النصر وراء باب الصبر، فاصبروا تُنصَروا. إنه قانون النصر الذي قرره الله لعباده المؤمنين في معركتهم مع الطواغيت، والتفصيل في المقالة الآتية إن شاء الله.