بقلم: د. خالد الأحمد
فتح اغتيال الحريري يرحمه الله ، ملفات كثيرة على النظام السوري ، يعرفها الغرب ، ولكنه كان ساكتاً ، لأن الضحية كانت الشعب المسلم ، في سوريا ولبنان ، والمسلمون يجب أن يقتلوا في نظر الغرب الذي يدعي حماية حقوق الإنسان ، وربما للإنسان تعريف عندهم يخرج المسلمين من ذلك التعريف .
يقول تقرير منظمة العفو الدولية :
وترتكز سياسة الإرهاب الرسمي (إرهاب الدولة) على حالة خوف النظام الحاكم من الشعب، وعلى فشله وعدم جديته في معالجة قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإيجاد الحلول الناجعة لها، حيث تتولد حالة عدم ثقة واطمئنان بين الحاكم والمحكوم، سرعان ما تتحول إلى حالة تناقض، تبعث الخوف والذعر في نفس الحاكم، فيلجأ النظام لفرض الاستقرار المفقود، إلى القوة والعنف والإرهاب، بدل لجوئه إلى تسوية المشاكل ومعالجتها بإصلاحات حقيقية تشبع حاجات المواطنين الأساسية.
يُعتبر إرهاب الدولة من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة، والنظام الذي يمارس القمع والإرهاب في الداخل، لابدَّ أن يوسّع دائرة إرهابه، لتشمل أقطاراً أخرى، ومواطنين آخرين. وبهذا يهدد أمن العالم وسلامته، وتكون نتائج أعماله الإرهابية في الداخل والخارج، موظفة في خدمة الإرهاب الدولي الذي يعرض حياة ومصالح الأفراد والشعوب للمخاطر الفادحة، ويقوض دعائم العلاقات الودية والإيجابية بين الدول والشعوب.
وتلجأ الدولة إلى الإرهاب، لتحطيم إرادة الشعب الجماعية، وشل فاعليته السياسية، وإخضاعه لسياسة تمييز وهيمنة، مستخدمة أجهزة الأمن والجيش والقوات المسلحة، في أنشطتها الإرهابية، حيث تتحول البلاد إلى سجن جماعي كبير، تمارس فيه جميع وسائل التعذيب النفسي والجسدي، وترتكب المذابح، وتقوم بأعمال انتقام على نطاق واسع، ودون تمييز.
لقد شهدت أوضاع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في سورية خلال العشرين عاماً الماضية، وفي ظل قانون الطوارئ، والأحكام العرفية، والمحاكم الاستثنائية، تجاوزات، واعتداءات، وانتهاكات خطيرة ومستمرة، أظهرت مدى امتهان هذا النظام للإنسان، وبينت مدى فهمه لحقوقه وحرياته، وحجم التزامه بالتشريعات الوطنية، والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، التي وقّعت عليها سورية، وبمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبمبادئ الحق والعدل والحرية.
لقد انصبت انتهاكات النظام السوري بشكل أساسي على حق الإنسان في الحياة، وحقه في الحرية والسلامة الشخصية، هذين الحقين الطبيعيين المقدسين في كل تشريعات الأرض وقوانين السماء التي تضافرت على تأكيدهما وصونهما واحترامهما وعدم المساس بهما، ولكن النظام الحاكم في سورية، جعل ديدنه الدائم، ووفق سياسة منهجية، الاعتداء على حق الإنسان في الحياة، وحقه في الحرية والسلامة الشخصية، إضافة لانتهاك حقوقه الاقتصادية، والديمقراطية، والنقابية، وغيرها من الحقوق التي أقرتها المعاهدات الدولية، ووافق عليها المجتمع الدولي.
لقد نظمت الدولة حملات مداهمة وتفتيش وتمشيط للمدن والأحياء والقرى والمنازل بشكل دوري ومتكرر، شملت مئات ألوف المواطنين الآمنين، وتم اعتقال الآلاف بشكل تعسفي ومناف للقانون، وبدون تهمة، وشردت ألوفاً أخرى، وقاست أسرهم الأمرين، حيث حوربت في أرزاقها ولقمة عيشها، وطالت عمليات الخطف والقتل والتصفية الجسدية آلاف المواطنين من سوريين وعرب، وقادة رأي وفكر، ومثقفين، وأطباء، ومحامين، ومهندسين، ومن خيرة أبناء الوطن، استشهدوا داخل السجون والمعتقلات تحت التعذيب أو بسببه، أو في عمليات قتل واغتيال منظمة داخل سورية وخارجها، اقترفتها أجهزة النظام المتخصصة والموظفة لتنفيذ العمليات الإرهابية، حتى وصل الأمر إلى تنظيم مذابح وعمليات إبادة جماعية، نفذت بواسطة قوات عسكرية نظامية، في تل الزعتر، ومدينة طرابلس في لبنان، وفي دمشق، وحلب، واللاذقية، وجسر الشغور، وإدلب وسجن تدمر، وسائر المدن والقرى السورية.
وسـوف أعدد على عجالة بعض العمليات الإرهابية التي قام بها النظام السوري ، ونفذها في الشعب العربي السوري ، وهدفي أن أذكـر مـن يقولون أنهم يحاربون الإرهاب في العالم ، أذكرهم بهذا الإرهابي الكبير الذي قتل أكثر من مائة ألف من العرب السوريين واللبنانيين والفلسطينيين ، وسوف أبدأ بعرض سريع لجرائمه الارهابية متسلسلة تاريخياً قدر استطاعتي :
1 ـ مجـزرة تـل الزعتـر للفلسطينيين
بدأ حصار تل الزعتر في أواخر حزيران ، وسقط في يوم (14 / 8 / 1976 ) بعد حصار دام أكثر من شهر ونصف ، وكان بوسع القوات السورية التي دخلت لبنان لحماية أهله من الحرب الأهلية ، كان بإمكانها إنقاذ سكان المخيم من الفلسطينيين ، كان بإمكانها ذلك لو بقيت على الحياد ، ولكنها شاركت في الحصار الذي فرضه الموارنة على المخيم ، ومنعت الطعام والشراب والأسـلحة عن سكانه ، كما شاركت في الاعدامات وهتك الأعراض ، التي تمت لمن بقي حياً داخل المخيم ، وكان المجرم ( العقيد علي مدني ) يقود قوات سوريا في حصار المخيم . وقد شاركت اسرائيل كذلك في مجزرة تل الزعتر التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين …
2ـ مجـزرة سجن تدمـر الأولى (1980 )
ـ في حزيران (1980 ) قام عناصر من حرس الرئيس حافظ الأسد بمحاولة قتله ، فقام ( كبير المجرمين رفعت أسد قائد سرايا الدفاع واليد اليمنى لحافظ الأسد يومذاك ) ، قام بإرسال سرايا الدفاع بطائرات الهيلوكبتر إلى سجن تدمر ، ليلاً ، ليفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة على السجناء ومعظمهم أو كلهم من الإخوان المسلمين ، فقتلت منهم قرابة ألف ، تم تحميلهم بشاحنات ( الزيـل ) العسكرية ودفنهم في مقبرة جماعية عند جبل ( عويمر ) قرب تدمر ، وبعضهم مازال على قيد الحياة ، قبل طلوع الفجر ، كما نقل ذلك بعض رعاة الأغنام الذين شاهدوا أثر المقبرة في اليوم الثاني ، ورأوا يـداً مرفوعـة ، ظهر بعضها خارج التراب ، أي أن ذلك الشهيد كان حياً عندما أهالوا عليهم التراب بالجزافات ، واستغاث فرفع يـده يطلب النجدة ، وهو يلفظ أنفاسه خنقاً تحت التراب الذي ارتوى من نزيـف دمـه يرحمـه الله ، هذا مااعترف به كل من الجنديين ( عيس ) و (فياض ) الذين أرسلوا لاغتيال مضر بدران رئيس الوزراء الأردني يومذاك ، لأن الآردن الشقيق آوى الفارين من أبناء الشعب السوري الذين هربوا من جحيم الثوريين البعثيين الأسديين ، ولم يستطع التنكر للنخوة العربية ، وإغاثـة الملهوف ، وحماية المستجير .
وقد تحدثوا بهذه الاعترافات على شاشة التلفزيون الاردني وسجلت هذه الاعترافات في ذاكرة التاريخ ، وآمل أن نتمكن من نشر هذه الاعترافات على الفضائيات حـالياً ، و أسأل الله العون .
كما شهد بها الصحفي السوري ( العلوي ) نزار نيوف يحفظه الله ، فقد كشف من جرائم النظام السوري العشرات ، وخاصة من المقابر الجماعية ، وشهد خلال فترة سجنه في تدمر وغيرها شهد التطـرف الذي مارسه النظام السوري ممثلاً بشياطين الأمن الذين دمـروا سوريا وأهلكوا الحرث والنسل …
3 ـ مذبحة باب البلـد في حماة (1981)
( في الرابعة من فجر يوم : 22/4/1981م كانت مجموعة من الطليعة المقاتلة تختبأ في مقبرة باب البلد ، وتكمن منتظرة سيارات الوحدات الخاصة ، ولما مرت سيارة للوحدات الخاصة اشتبكوا معها ، وقتلوا سبعة عناصر منها ، ويبدوا أنهم تمكنوا من الفرار .
لذلك قرر قائد الكتيبة ( رائـد من السويداء ) الانتقام من الحي المجاور للمقبرة وهو حي باب البلد وبجواره البرازيـة ، عملاً بالاستشارة التي قدمها الخبراء السوفييت ( يـهود) ، الذين استقدمتهم الحكومة السورية عام (1980م) لدراسـة الحالـة الأمنيـة في حماة ، وقد عاينوا عدة مواقع في حماة جرى فيها اغتيال بعض أعوان السلطة ، وكان خلاصة تقريرهم أن هذه المدينـة كلها مجرمـة ، وهي متعاونـة مع هؤلاء ( المخربين ) ، لأن ( المخرب ) يقتل ضحيته ويفـر ثم يختبئ أمام هؤلاء المواطنين ، ولايسهمون في القبض عليه ، أو على الأقل إرشاد وحدات الجيش المنتشرة في كل مكان من المدينة ، والتي تصل إلى موقع الاغتيال بعد بضع دقائق فقط ، ولاتتمكن من القبض أو معرفة الجاني ، لذلك ننصح بقتل عشرات المواطنين ، في الموقع الذي جرى فيه اغتيال أي عميل للسلطة ، حالاً وبدون تحقيق ، وبدون التعرف على الأسماء ، يكفي أنهم من ذلك المكان ، كي نجبر أهالي مدينة حماة على الوقوف مع السلطة ضد ( أفراد العصابـة ) ، وعلى الأقل يمنعونهم من البقاء بينهم أو التحرك في حييهم . هكذا كانت نصيحة الخبثاء اليهود السوفييت ، وطبقها النظام السوري بحذافيرها عام (1981م) ، وكانت هذه النصيحة بدايـة رجحان الكفة عسكرياً نحو جانب السلطة ، بعد أن كانت الكفة العسكرية ترجح نحو مقاتلي الطليعة خلال (1979 ، 1980 ) .
في الخامسة فجراً تقدمت وحدات خاصة من الشارع المحاذي لكلية الطب البيطري ، وأخذت المواطن مصطفى دياب من بيته ( أصله من قرية بسيرين ، ويسكن حماة منذ ربع قرن ) ، ثم أخذوا سبعة مواطنين وجدوهم في فرن ( عفشـة ) ، ثم أخذوا ولدين شابين من أولاد أبي صالح الزعبي ، ثم أخذوني من بيـت أقاربـي ، وكنت الحادي عشر ، والحمد لله أنهم لم يعرفوا أنني من خارج الحـي ، ولو عـرفوا لقتلوني منفرداً ، ولكن شـاء الله أن أبقى حيـاً ، وقبل وصول شارع باب البلد صفونا في الشارع وأهل الحـي يتفرجون علينا من نوافـذ بيوتـهم ، ورمونا بالرصاص فوقعنا جميعـاً ، وقد أصابتني ثلاث رصاصات إصابات غير قاتلة والفضل لله ، وكان غيري جريحاً أيضاً ، وتركونا ممددين في الشارع ، وتابعوا سيرهم إلى باب البلد فأخذوا المواطن خالد الرزوق وأولاده الثلاثة من بيته ( وهو صاحب بقالـة كبيرة ومشهورة في المنطقة ، يشتهر بدماثـة خلقـه وسـماحتـه في البيـع ، وغيـرتـه على الديـن يرحمه الله ) ، وأخذوا المواطن شــمدين الملـي ، وأبا أكرم الحلاق وولده ، ( استطاع أن يهرب الأب من خلفهم ويدخل في زقاق جانب خان سليم حمادة ولم يلحقوه وبقي ابنه معهم ، فنجا الأب وقتلوا الإبن ) ثم أخذوا عبد المنعم حداد ( شقيق الشاعر عبد القادر حداد ) ومواطن من آل البرازي وآخر من آل تركماني ، وكلما وصل عدد المواطنين معهم إلى مايزيد عن عشـرة رشـوهم في الشارع وتركوهم ممددين تحت المطر . كما أخذوا عدداً من المواطنين من بيوتهم من شارع أبي الليث الذي يصل البرازيـة مع باب البلد ورشـوهم عند سـوق النحاسين .
ووصل عدد المواطنين الذين رشـوهم في صباح ذلك اليوم إلى اثني وسبعين مواطناً أخذوهم من بيوتهم ، وقد استشهد منهم سبعون يرحمهم الله ، ونجا منهم اثنـان كنت أحدهم .
بقينا ممددين حتى السادسة صباحاً حيث رجعوا إلينا ، وكنت ممـدداً على بطنـي ، وشـعرت أن المـوت اقترب مني ، وصرت أهمس في قلبي ـ دون أن أحرك عينـي المغمضتين ، وكنت أتمنى لو أستطيع أن أسـد أذني كي لا أسـمع الجندي وهو يطلق عليّ رصاصات الإجهاز ، وأجهزوا على مصطفى دياب يرحمه الله ، وقال أحدهم لزميله القريب مني : تفقـد ذاك الذي نـام على بطنه يبـدو أنه لم يمت ، واقترب العسكري مني ثم ناداه الضابط بسرعة فذهب إلى الضابط ولم يتفقدني [ لأن أجلي لم ينتـه ] ، وبقينا ممددين أمام أعين أهلنا وأقاربنـا حتى العاشرة صباحاً تحت المطر ، حيث انسحبت كتيبة الوحدات الخاصة من المكان .
كنت مصاباً بجرح كبير حول الكلية ، ولما تأكد أهلونا من ذهاب الوحدات الخاصة أسرعوا إلينا ، ووجدوني حياً فنقلني أحد هـم إلى مخفر الشرطة لكنهم رفضوا أن يفعلوا شيئاً ، فأعادني وفي شارع العلمين صادفتنا سيارة الإسعاف فأوقفهم وحملتني إلى المستشفى الوطني ، وهناك وجدت عشرات الجثث مازال دمها ينـزف ، ووجدت مسؤولين من المخابرات وغيرهم من وحدات الأمن ولما حققوا معي [ ولأن أجلي لم ينتـه ] ؛ هداني الله ولم أقل لهم أن الوحدات الخاصة ضربوني ، وإنما قلت لهم جماعة مجهولين وغالباً يكونوا من عصابة الإخوان ، لذلك تركوني وشـأني ، أمـا المستشفى فكان مكتظاً بالجرحـى ، ولم تسمح لـي المخابرات العسكرية بالمعالجـة فيـه ، فأعادني أقاربـي إلى بيتـي ، لأعالج هناك بحقن مضادة للالتهاب ، وينظفون لي الجرح بالمعقمات ، وبقيت خمسة عشر يوماً فيه حتى كتب الله لي الشفاء .
وقد عرفت فيما بعد أن جريحاً كان معنا نقله أهله إلى دمشق للعلاج ، ولما حققت معه الوحدات الأمنية وقال لهم ضربتني الوحدات الخاصة أجهزوا عليه في الحال .
وعرفت في المستشفى أنه في نفس اليوم ( 22/4/1981م) وفي المسـاء وقعت مجزرة جماعية في حي بستان السعادة ذهب ضحيتها قرابة سبعون مواطناً .
4 ـ مجزرة جسـر الشـغور
أضربت بلدة جسر الشغور يومي السبت والأحد ، وفي يوم الاثنين ( 10/3/1980م ) خرجت مظاهرة بدأها طلاب المدرسة الثانوية ، وانضم إليهم عدد كبير من المواطنين ، فجابت الشارع الرئيسي في البلدة يهتفون ( ياأسـد مانك منا ، خذ كلابك وارحل عنا ) .
هاجمت المظاهرة المؤسسة الاستهلاكية رمز الجوع والحرمان في النظام الأسدي ، وحرقتها ، ثم توجه المتظاهرون إلى مكتب حزب البعث ففـر البعثيون وتركوا أسلحتهم التي غنمها المتظاهرون ، وكذلك أخذوا أسلحة مخفر الشرطة . ( ولابد من القول أن الإخوان المسلمين ليس وحدهم كانوا المحركين لهذه الأفعال ، وإنما حركها معهم عدة تيارات من الشعب كالناصريين والشيوعيين والبعثيين القوميين ) فكانت انتفاضة عامة من الشعب في جسر الشغور .
ومع العصر وصلت أكثر من خمس وعشرين طائرة عمودية محملة بجنود الوحدات الخاصة يقودهم العميد علي حيدر ، ويعاونه عدنان عاصي ،قائد مخابرات إدلب ، وتوفيق صالحة ،محافظ إدلب وصلت هذه الطائرات المحملة بالرجال والعتاد إلى جسر الشغور وليس إلى الجولان ، ولما أقلعت هذه الطائرات اتجهت شمالاً ، وكان المفروض أن تتجه جنوباً نحو العدو الصهيوني ، ولكن البعثيين أعلنوا ذلك صريحاً منذ أن استلموا الحكم في سوريا ، قالوا أن القضاء على الرجعية ( الإسلام والعلماء والدعاة والحركة الإسلامية ) قبل محاربة الصهيونية ، وهاهم اليوم يفاوضون الصهاينة من أجل تطبيع العلاقات معهم ، وكي يتعاونوا معهم على القضاء على الأصولية كما يريد معلمهم الأكبر ( أمريكا ) .
نزلت الطائرات حول البلدة ( في معمل السكر ، والثانوية ، وطريق حمام الشيخ عيسى ، وساحة البريد ، ومحطة القطار … ) ، ونامت البلدة بعد أن طوقتها الوحدات الخاصة وفرضت منع التجول .
مذابح الليلة الأولى
وبدأت الوحدات الخاصة تعتقل كل من تصل يدها له وتقتله في الحال ، دون معرفة شيء عنه ، وهكذا قتلوا قرابة خمسين مواطناً مسلماً ومسيحياً وكل من وقع في يدهم خلال الليلة الأولى . كما أنهم أحرقوا قرابة ثلاثين محلاً تجارياً للمواطنين بعد أن نهبوا مافيها من البضائع ، ومنها محلات الذهب ، ومحلات الأقمشة ومحلات الأدوات الكهربائية ، ومكتبة داسوا مصاحفها ومزقوها قبل حرقها ، في الشارع الرئيسي للبلدة .
مذابح اليوم الثاني
بدلت الكتيبة الأولى بعد أن ذبحت خمسين مواطناً ، لاذنب لهم سـوى أنهم من أهالي جسر الشغور ، واستلمت كتيبة ثانية صارت تعتقل الرجال من البيوت ويجمعونهم في مراكز تمركز الوحدات الخاصة ، ثم يسومونهم أقسى أنواع التعذيب كالضرب بالكابلات الحديدية ، ويحرقون لحاهم ، ويصعقونهم بالكهرباء …إلخ .
وكانوا يسألون الرجال المعتقلين من هم من طلاب الجامعات ، فيقتلونهم حالاً دون تحقيق معهم ، وكأن جريمتهم أنهم من طلاب الجامعات ، وقد استشهد قرابة خمسة عشر طالباً من طلاب الجامعات بعضهم من آل الشيخ ، والحلي ، وغيرهم .
وشكل النظام الإرهابي في سوريا محكمة ميدانية جعلت من مكتب البريد مقراً لها ، وشارك فيها كل من :
ناصر الدين ناصر (وزير الداخلية ) ، وعلي حيدر (قائد الوحدات الخاصة ) ، وتوفيق صالحة (محافظ ادلب ) ، وحمدو حجـو (رئيس فرع الحزب ) ، ومحمد أنيس (ريئس شعبة الحزب الجسر ) .
وأصدرت هذه المحكمة حكم الاعدام على كل من مثل أمامها .
وصبرت جسر الشغور ثلاثة أيام ذاقت فيها المـر والعلقم ، ومن جرائمهم التي يندى لها جبين البشر :
1ـ شـق جسم طفل لايزيد عمره عن ستة اشهر إلى قسمين ، أمام أمـه ، التي سقطت ميتـة من هول المنظر .
2 ـ قتـل فتـى ارتمـت أمـه عليه لتحميه من القتل ، فقتلوها معه .
3 ـ التمثيل بجثث بعض الضحايا لإرهاب المواطنين .
4 ـ حـرق عدة بيوت منها : بيت نور الدين الخطيب ، والشاعر الأديب يحيى حاج يحيى ، ويحيى تلـجو ، وعبد الرحيم منصور ، وعبد الكريم النايف .
5 ـ حـرق دكان الشهيد سليم الحامض بعد نهب مافيـه ، وذلك بعد استشهاده بيومين .
وفي اليوم الثاني أو الثالث قامت الجرافات بتحميل الجثث من الشوارع ودفنوها في حفر جماعية بدون كفن أو صلاة جنازة .
حفلة الوداع قبل نقل الرجال إلى إدلب :
وبعد النحقيق المبدئي ، والتعذيب الرهيب نقلوا عدداً كبيراً من رجال الجسر إلى إدلب ، وبعد تحميلهم في السيارات مكبلة أيديهم وأرجلهم بالأسلاك الشائكة ، يضربونهم ضرباً شديداً وكأن الوحدات الخاصة تودعهم قبل أن تسلمهم للمخابرات العسكرية لتكمل معهم التحقيق . ويصل الضرب إلى حد الإغماء فيظنون أنه مات لذلك يتركونه وينشغلون بغيره .
وسنقف هنا لنكمل في الموضوع القادم بعضاً آخر من إرهاب النظام السوري .
نسأل الله عزوجل أن يخلص سوريا من هذا النظام الإرهابي المستبد الذي أهلك الحرث والنسل . والله على كل شيء قدير .