هناك حالة من السخط تسود الثوار السوريين حيال مواقف الأشقاء في مصر من الثورة السورية وقواها . والسخط اليوم يمتد على الخارطة المصرية بمختلف قواها ليتركز في النهاية على خيار الشعب المصري الديمقراطي متجسدا في الرئيس مرسي وحكومته .
ولقد بدأ هذا السخط عتبا ثم تحول إلى غضب ولم يلبث أن تكرس سخطا ويوشك أن يثمر قطيعة لا يعرف أحد أين تحط رحالها . ومنبع هذا السخط ، لكي لا يخطئ أحد تفسيره ، من إيمان بدور مصر ، وبمكانتها وبحجم المطلوب منها أولا ، ومن اعتداد بروابط تاريخية حضارية وثقافية وسياسية يعتقد هؤلاء الساخطون أنه قد تمت خيانتها . وأخوة إسلامية قد تم خذلانها .
وللحق فهؤلاء الساخطون ليسوا من العدميين الذين لا يرضيهم شيء ، ولا هم من المنفرين الذين يسيئون التصرف حتى يحولوا صديقا إلى عدو ، ولا هم من العاجزين عن تقدير الممكنات فيحمّلون صديقا أو أخاً فوق ما يطيق ، ويطالبونه بما لا يملك القدرة على الوفاء به . بل هم من أكثر الناس تقديرا للممكنات في ظل الواقع الدولي والإقليمي ، وفي ظل المعطى المصري ، وفي ضوء الصراع البيني الذي نما في رأيهم على ضفاف ( مصرنة ) الربيع العربي مما قاد إلى نكسته ، وأدى إلى انكفاء قواه على نفسها . هم يقدرون كل ذلك ولكنهم غير مستعدين لإقحام أنفسهم في الشأن المصري الداخلي ، الذي توزعت قواه على محورين فريق مع بشار وفريق مع المرشد والمقصود بالطبع مرشد طهران ..
لم يسخط هؤلاء الساخطون لأن مصر لم تجيش الجيوش و لم تجهز الكتائب لنصرة ثورة الشعب السوري ، ولم يعتبوا على مصر أبدا لأنها امتنعت عن هذا أو قصرت فيه . ولم يسخط الساخطون لأن مصر لم تحرك زوارقها المليئة بالسلاح لتمد الثوار بما لابد لهم منه ، لأن هؤلاء الساخطين يتقبلون على مضض وجهة نظر ممثلي ربيع مصر أن على الثوار السوريين أن يمدوا أعناقهم وأعناق أطفالهم للسيف حفاظا على سلمية الثورة ، الذي ظلوا يرددون أنهم حافظوا عليه ، مقارنين بجفاء عقلي مزمن بين حسني وبشار . فكلاهما في قياسهم مستبد فاسد !!
ولم يسخط الساخطون هؤلاء لأن حكومة الربيع العربي في مصر لم تفتح الخزائن وتدعم الثورة بذهب المعز ، لأنهم وهم الأدرى يقدرون أن حسني مبارك لم يترك في خزائن الأرض ليوسف الصديق شيئا .
لم يغفل هؤلاء الساخطون قط عن شكر المحسن على استقبال وإيواء اللاجئين السوريين وفتح الأبواب لهم دون أن يغفلوا أبدا عن التمييز بين دور مصر الدولة وبين دور الجمعية الخيرية .
ربما كان مما يتوقعه ويتطلع إليه هؤلاء الساخطون أن يكون للدم السوري المسفوك ظلما على يد الجزار حضورا حقيقيا في شارع مصر السياسي والثقافي ، و في ثنايا قادة حراكها الشعبي والرسمي وعلى منابر الجمعة في مساجدها .
يتابع العالم في كل يوم عن سورية مجزرة هي أشنع وأبشع من أختها . ويثير سخط الإنسان السوري أن يذكر أن مجزرة بانياس بضحاياها الألف والخمس مائة لم تحرك على أرض الكنانة ضميرا بل حين كان رئيس مصر يسارع إلى استنكار العدوان الصهيوني المستنكر والمدان على سورية لم ير أن جريمة تطهير طائفي راح ضحيتها المئات من الأبرياء هي جديرة بالإدانة والتنديد أيضا ..
وربما كان مما يتوقعه ويتطلع إليه هؤلاء الساخطون أن يكون لساحة التحرير في مصر دورها لتثبت للعالم أن الربيع العربي واحد ، وان الدم العربي واحد . وأن تحرك القوى المصرية بعض المليونيات الحقيقية ولو على سبيل القرض الحسن للثورة السورية لإعلان الغضب على المتواطئين مع بشار الأسد ليدركوا أن دعمهم لجزار دمشق سيكلفهم صداقة الشعوب من المحيط إلى الخليج ..
ربما مما يتوقعه ويتطلع إليه هؤلاء الساخطون أن يرحب خيار الشعب المصري الديمقراطي ولو لمرة واحدة بقيادات ربيع سورية ، يستقبلهم جهارا نهارا يستمع منهم ويشد أزرهم ، يفعل ذلك فقط لأنه رئيس ولد من رحم نفس المعاناة التي يعيشونها ..
ربما مما يتوقعه ويتطلع إليه هؤلاء الساخطون أن يسمعوا رئيس مصر الذي صم آذاننا وهو يعلن رفضه للتدخل الخارجي في سورية ، يرفع صوته مرة واحدة للاحتجاج على التدخل الروسي والتدخل الإيراني والعالم كله يشهد أن هذا التدخل أصبح حقيقة واقعة يمد مخالبه وأنيابه لتمزيق أعناق الأطفال في سورية والشعب السوري لا يكاد يجد على ظهر الأرض نصيرا ..
ربما مما يتوقعه ويتطلع إليه هؤلاء الساخطون أن يسمعوا من قادة مصر الرسميين والشعبيين ردا مكافئا لتبجحات حسن نصر الله وهو يتهدد أشقاءهم في سورية بالسحق والذبح ثم وهو يرونه ينشب في أعناق أطفالهم وأعراض نسائهم بآلاف المقاتلين . هل من الصعب على قائد مصري أن يقف وسط الجماهير فينادي : ارفعوا أيديكم عن سورية . أن يسمعوه ينادي : الشعب السوري ليس شعبا مهيض الجناح ولن يستذل ولن يستباح . ..
ربما مما يتوقعه ويتطلع إليه هؤلاء الساخطون أن يروا غاضبا من قيادات مصر يخرج مهددا بنصرة الشعب السوري بعد مائة ألف شهيد بنفس الطريقة التي غضب بها من أجل ألف من أعضاء حزب الله ..
ربما مما يتوقع ويتطلع إليه هؤلاء الساخطون موقفا حميميا ينبعث من نفس المشاعر الطيبة التي يكنها الشعب السوري للشعب المصري فلا يتقدم المصري بموقف في السياسة إلا بعد تشاور وتدبير وشرح وتفصيل ..
هل ترون ما يطلبه هؤلاء الساخطون من شعب مصر ومن إخوة مصر ومن حكومة مصر هو أمر فوق المستطاع ؟! أو هو محاولة للوقيعة أو رغبة في التعجيز ؟!
تردي مواقف قادة مصر السياسيين والشعبيين لم يعد يميزها عن الموقف الإيراني أو الموقف الروسي شيء بل هذا هو ما صرحوا به . إخوّتنا مع شعب مصر عزيزة غالية ولكن دماء أطفالنا أعز وأغلى . وعلاقتنا مع ربيع مصر مقدسة ولكن أعراض نسائنا أكثر قداسة . وإذا كانوا قد هانت عليهم أعراض نسائنا ودماء أطفالنا وعمران بلدنا فكيف نأسى وعلام نأسف ..؟