أقسم بالله إني لم أرَ مهزلة كاليوم! نصف أهل الأرض يدبرون ويقررون، ونصفهم الآخر يوافقون أو يرفضون، وأصحاب المشكلة الأصليون مغيَّبون وكأنهم غرباء أو دُخَلاء، فلا يهتم بهم أحدٌ ولا يسألهم أحد عمّا يريدون وما لا يريدون!
الأميركيون والروس والأوربيون يريدون أن يجرّوا الائتلاف الوطني إلى طاولة الحوار مع نظام الاحتلال، وهي الطاولة ذاتها التي جَرّونا إليها هم أنفسهم منذ ثلثَي قرن لنفاوض عليها اليهود الذين احتلوا فلسطين، ولقد عرفناها من بعد -على مر السنين- فما عرفنا فيها إلا طاولةَ خنوعٍ وتنازل واستسلام، وعرفنا أنها الرقعة التي يقصمون عليها ظهورنا التي استعصت عليهم وأبت أن تنحني لهم في ساحات النزال.
لماذا؟ أترون أن أحرار سوريا جماعة من المغفَّلين المحمَّقين القُصَّر حتى تقوموا لهم مقام الوصاية والتوجيه؟ أتظنون أننا خرجنا من عَسف النظام الأسدي لنُسلم رقابنا لأهل الشرق والغرب ولنغدو أُلْهِيّة يلهو بها اللاهون؟
كلا ولا كرامة!
ولقد علموا أن الائتلاف لن يوافقهم على ما يريدون، فإنْ يكن فيه مَن يساير ويداور فإن فيه صادقين شرفاء لن يبيعوا الوطن ولن ينحروا الثورة إرضاء للأعداء، ومن أجل ذلك دبروا الأمر بليل بَهيم: صنعوا جسماً مشوّهاً غريباً عن سوريا وشعبها وثورتها أسموه قطباً ديمقراطياً، بئس الاسم وبئس ما يصنعون! ثم جاؤوا يريدون زرع خمسة وعشرين من ذلك القطب المشوّه المشبوه في جسم الثورة السياسي ليسرقوه، ثم ليستخدموه بعد ذلك في خيانة الثورة وتلفيق حل أعرج أعوج بينها وبين نظام الاحتلال الأسدي الطائفي اللعين.
خمسة وعشرون علمانياً جملة واحدة! لماذا؟ هل ترون السوريين أمة من العلمانيين؟ إننا نحب العدل ونرضى أن يُمثَّل العلمانيون في الائتلاف بمقدار نسبتهم على الأرض، ومن أجل ذلك فإننا نقبل علمانياً واحداً لأنكم لا تستطيعون أن تضعوا ربع علماني، فالربع حق لكم وثلاثة الأرباع الباقية تبرع ومنحة، فإنّا الكرام ولكنكم لا تستحقون!
إننا نستكثر العلماني الواحد في هيئة سورية سياسية ثورية مكونة من ستين شخصاً، فإنكم تفترضون إذن أن في سوريا نصف مليون علماني! من أين جاء هؤلاء؟ أأنشأتم مطبعة تطبع نسخاً من العلمانيين أم أقمتم مصنعاً يُخرج منهم ألفاً كل يوم؟ كيف تريدون أن تفرضوا علينا منهم بضعة وعشرين؟ ألم تدركوا بعدُ حجمَ الإسلاميين والمتدينين في سوريا وفي الثورة السورية؟ إمّا أنكم تعرفون وتتجاهلون، فأنتم إذن لا يحق لكم التدخل في أمورنا لأنكم متحيزون، أو أنكم لا تعرفون، فأنتم إذن لا يحق لكم التدخل لأنكم جاهلون. في الحالتين أقول: ألا تخجلون؟
ألا ما أعجبَ أمرَ أولئك الذين يظنون أنهم يستطيعون أن يكسروا إرادة شعب عجزت عن كسر إرادته واحدةٌ من أسوأ قُوى الشر على ظهر الكوكب؛ نظام الأسد الطائفي الملعون ومعه إيران ذات الأيْد والهيلمان التي عجزت عن مقارعتها أنظمةٌ وبلدان. نقول لهم: لم يكسرنا -بفضل الله- نظام الأسد ولم تهزمنا إيران، ولن يكسرنا ولن يهزمنا -بإذن الله- غيرُهما ولو طال الزمان.
وأختم بكلمتين: الكلمة الأولى لإخواني الشرفاء الصادقين في الائتلاف: إما أن تحسنوا الدفاع عن مصالح الثورة والوطن أو تنسحبوا من الميدان. إذا لم يبقَ حل لمنع أعداء الثورة من سرقة الائتلاف إلاّ حل الائتلاف فحلّوه، فإن الثورة بلا ممثل سياسي أفضل من ممثل سياسي يتحكم فيه الأعداء والخصوم.
والثانية لأحرار الوطن. أيها السوريون الأحرار: استعدوا ليوم جمعة قريب تهتفون فيه: “الائتلاف لا يمثلنا”. هذا هو الجواب إذا سرقوا الائتلاف وفرضوا عليه ما يريدون. أمّا السارقون الذين يتآمرون على ثورتكم ويريدون أن يفرضوا عليكم مَن يشاؤون لا مَن تشاؤون فقولوا لهم: خذوا جمل الائتلاف بما حمل، واتركونا لنكمل ثورتنا بسلام، فإنا قد بدأناها وأنتم لها كارهون, وسوف نكملها وأنتم لها كارهون بإذن الله العليّ العظيم.