أقدم حسن نصر الله الجندي في الباسيج الإيراني وفي كتائب الولي الفقيه إلى إعلان الحرب بطريقة مباشرة على المسلمين في سورية وسبق ذلك الإعلان بقيام قواته بالانتشار على الأرض السورية في الشمال والجنوب والوسط ..
ورغم ما يشكله احتلال قوات نصر الله لأرض دولة جارة وإعلان الحرب على أهلها من خرق للقانون الدولي، وتهديد للأمن والسلم الدوليين ؛ فإن كل هذا لم يلق من مجلس الأمن الدولي ولا من القوى والدول الكبرى رد الفعل الذي يستحق . حيث اكتفى البعض بإصدار إدانات باهتة ، وتعبيرات عن قلق بارد ، وتحذيرات يدرك من يطلقها أنها لن يكون لها أي صدى عملي .
وبعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع على انتشار قوات الاحتلال بطبيعتها الطائفية ، وخلفيتها المقيتة ، وشعاراتها المستفزة على الأرض السورية ، وإعمالها ما تملك من سلاح وما تتمتع به من حقد في تقتيل الشعب السوري وتدمير العمران على كل الأرض السورية التقت نخبة كريمة من علماء الأمة في القاهرة لتضع هذا العدوان في أطره الشرعية والسياسية الحقيقية ، ولتعلن تمسكها بوحدة سورية أرضا وشعبا وبهوية هذا الشعب الإسلامية ولتحمل أصحاب المسئولية من قادة الأمة مسئولياتهم ، ولتستصرخ أبناء الأمة أجمع حكاما ونخبا وشعوبا ليقفوا في وجه الهجمة الصفوية على ما رأوه حربا على الإسلام والمسلمين في سورية . رؤية تعززها لامبالاة دولية واضحة بدماء ما يقرب من مائة ألف إنسان سوري قتلوا حسب تقارير الأمم المتحدة نفسها ..
يقدر الشعب السوري الثائر من أجل حريته وكرامته ودولته الوطنية عاليا غيرة علماء المسلمين على سورية وشعبها . ويرى فيما بادر إليه علماء الأمة وفيما أعلنوه في بيانهم الختامي مبادرة حيوية تستحق التحية . إن الرسالة الأولى التي يجب أن تستفاد من بيان العلماء المسلمين هي أن يدرك الولي الفقيه وأشياعه في المنطقة والعالم أن الشعب السوري ليس شعبا مخلّى لا أنصار له ، ولا أمة تغضب من أجل العدوان عليه . وأن دماء السوريين لا يمكن أن تهون على أبناء الأمة على محور ( طنجة – جاكرتا ) . وإن المال الإيراني وإن استطاع شراء صمت بعض الصامتين فإنه لن يسكت صوت الحق في أمة كان في السطر الأول من فقهها : أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ..
إن الذي يجب أن نوضحه في هذا السياق هو أن مفهوم أمة الإسلام للجهاد يفارق إلى حد كبير المفاهيم المشوهة التي حاول العديدون إلصاقها بهذه القيمة الإسلامية العظيمة.
إن المفهوم الحقيقي للجهاد المطلوب في سورية هو بذل الجهد لرفع الظلم عن حياة الأبرياء ، ودفع الصائل المعتدي الذي احتل الأرض السورية متحديا القانون الدولي وأعمل سلاح القتل والتدمير في أهلها وبنيانها .
إن مفهوم الجهاد في الإسلام ليس مرادفا لمفهوم الحروب المقدسة عند الغربيين . ليس مرادفا لمفهوم الحروب الدينية كانت أو المذهبية التي عرفها الغرب في تاريخه الوسيط والقريب . بل هو مفهوم متعال للدفاع عن وجود الإنسان وحريته وكرامته وصون إرادته من أي شكل من أشكال الإكراه . وهو تجسيد لقول القرآن الكريم (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه .. )) .
ثم إن الدعوة العامة لقادة الأمة ولنخبها ولشعوبها إلى المبادرة لنصرة الشعب السوري يجب أن توضع في سياقها العملي المنتج . الساحة السورية لا تحتاج عمليا إلى جهود المزيد من الأفراد غير المنظمين الذين لا يضبطهم ضابط ولا يقود جهادهم قائد !! وكيف يكون الأمر كذلك والمسلمون– حسب قرآنهم – هم أمة الصف الواحد (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ )). إن توافد المزيد من الأفراد إلى الساحة السورية من غير رابط ولا ضابط قد يقود المشهد السوري إلى عكس المطلوب ، فيزيد الساحة اضطرابا والصف انقساما وخذلانا ..
لقد زج الولي الفقيه في معركته ضد الشعب السوري بقوات مجهزة منظمة يقودها قادة مدربون وخبراء متمكنون لتحقيق أهداف محددة . لن يفلح المسعى بصد العدوان إلا بتدبير مثله . ولا بد للعلماء المسلمين إذا أرادوا متابعة ما قرروا أن يسعوا إلى بناء قوة منظمة تحت راية الجامعة العربية مثلا أو من يبادر من الدول العربية لمواجهة القوى المجهزة والمنظمة بمثلها لأن الحديد بالحديد يفلح كما قالت العرب .
ومع إيماننا أن الولي الفقيه وأتباعه يريدون أن يجروا المنطقة إلى حرب طائفية مقيتة لا تبقي ولا تذر فإننا نحن – المسلمين – جبل الأمة الراسي ، وبحرها اللجي ، وشجرتها الطيبة أصل ثابت وفرع في السماء يجب أن نستعصي على المكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله . ونظل نرفض الانغماس في مستنقع الطائفية المنتن المقيت ..