الفاضحة من أسماء سورة التوبة في القرآن الكريم. وسمّيت كذلك لأنها فضحت المنافقين وكشفت أفعالهم. ربما لهذا السبب أطلق بعض الناس وصف الفاضحة على الثورة السورية لأنها استطاعت أن تكشف الأعداء وتعرّيهم.
أفاض الكتّاب في الحديث عما حدث في بلدة القصير من تقصير، وما سيتبع ذلك من دفع ثمن خذلان الشعب السوري، حيث بقي أربعون ألفاً محاصرين طوال شهر ونصف ولم يتدخل أحد لنصرتهم، بل لم ينبس كثيرون بكلمة واحدة، وكثيرون أصيبوا بالصمم والبكم خلال عشرين يوما من عمليات القصف والتدمير والقتل للمدنيين في البلدة!
هل بدأت القصة في القصير؟ أم منذ سبعة وعشرين شهراً عندما بدأ ذبح الأطفال وقتل المتظاهرين العزل؟ لكن القصة في الحقيقة بدأت منذ خمسين عاماً عندما جاء الطائفيون لحكم سوريا سنة 1963م وكانوا في البداية يحكمون من وراء بعض الشخصيات الأخرى التي أزاحوها بعد سبع سنوات ليتربع الأسد على رؤوس الأحرار ويتوج نفسه إمبراطوراً بل فرعوناً جاعلاً البلد مزرعة شخصية له ولأهله وطائفته. ومن أراد البرهان على أنه فرعون فيمكنه أن يبحث في الإنترنت عن صور العملة السورية وسيجد صورة الأسد الهالك على العملة الورقية والمعدنية الصادرة قبل موته! فأي رئيس منتخب (كما يدّعي) وضع صورته على العملة؟
قبل القنوات الفضائية والإنترنت كان معظم الناس لا يعرفون حقيقة ما كان يحدث، وكثيرون لم يسمعوا بتدمير مسجد السلطان في حماة سنة 1964م، واقتحام المسجد الأموي في دمشق سنة 1965م، ومقال الكفر البواح في مجلة جيش الشعب قبيل حرب حزيران/يونيو 1967م التي تم فيها تسليم الجولان للعدو، ثم معركة الدستور الذي حُذف منه كل ما يمت إلى دين الأغلبية. فكل هذه الأحداث تمت ولم يسمع بها كثيرون، بل إن مجزرة تدمر ومجازر حلب ثم مجزرة مدينة حماه سنة 1982م استطاع الأب أن ينفذها في غفلة من العالم أو تغافل.
أما الآن فكل شيء مرئي عبر الشاشات! ولكن أصدقاء الشعب السوري لم يفكروا في تمكين الشعب من الدفاع عن نفسه أو لجم المجرمين عن البطش بالمواطنين وتدمير المدن وتهجير المدنيين الأبرياء. فهل يدرك هؤلاء الأصدقاء أن الأسد قد بدأ بتصدير مشكلاته إلى دولهم؟ وهل تكفي بيانات الشجب والاستنكار لإيقاف الكارثة؟
“لن نسمح بحماه ثانية” هذا ما قاله زعيم مجاور! لكن حصلت حماه ثانية وعاشرة ومازلنا لا نرى طَحناً. فهل أدرك أن ما يحدث في بلده الآن هو نتاج لعدم تدخله؟ وهل عبارة “الناي بالنفس” أو “عدم التدخل في الشؤون الداخلية” هي رمز الحكمة وبُعد النظر؟ أم إنها تعبير عن عدم إدراك أن النار تحرق ما حولها ولا ترحم من لم يأبه لها.
وكيف يتدخل حلفاء النظام السوري ويدفعون بالميليشيات تجوس خلال الديار، لتهلك الحرث والنسل، وتعتدي على الحرمات، في حين يقف الآخرون متفرجين ومترددين أو صامتين. وكيف تتوالى أرتال السلاح للنظام ليذبح البشر ويدمر الحجر ويهتك الأعراض ولا يجد أصدقاء الشعب السوري طريقة للتدخل؟ هل السبب هو ما قاله أفرايم هالِيفي، الرئيس الأسبق لجهَاز الموساد، بأنَّ بشار الأسد يمثلُ الرجل الأنسب لتل أبيب فِي دمشق، لأنه يواصل ما قام به والده من حمايَة الحدود على جبهَة الجولان لأربعَة عقود، منذ سنة 1974؟
إلى أمد قريب كانت خدعة المقاومة والممانعة تنطلي على بعض الناس، لكن أحداث القصير أسقطت هذه الخرافة، حيث انكشفت الحقائق وظهر أبطال “المقاومة!” على حقيقتهم عندما انحازوا لنصرة النظام الظالم ضد شعبه المظلوم.
بعض المتفائلين يظنون أن محكمة دولية يمكن أن تلاحق مجرم الحرب لاستخدامه السلاح الكيماوي ومخالفة القانون الدولي. وآخرون يظنون أنه يمكن أن يفرض الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لكن الأوضاع لا تشي بهذا. وفئة أخرى تكثر من مناداة المعتصم أو صلاح الدين! لكن الشاعر يقول لهم:
كم مرة في العام توقظونه؟
كم مرة على جدار الجبن تجلدونه؟
أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة؟
دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه!
لأنه لو قام حقاً بينكم فسوف تقتلونه!