يشتكي الكثير من المعارضين السوريين مما آل إليه حالهم . يشكون على كل صعيد ويضعون الحق في شكواهم على الطليان ..!!
ولنواجه الحقيقة عارية – والعري فاضح – كما يقولون فعلى الممسكين بقرار المعارضة كل في دائرته أن يعترف أنه المسئول عن معطيات الواقع بكل ما فيه . وأن اللجوء إلى الحديث عن المؤامرة الكونية الكبرى هو خُلُق من ثرنا عليهم من أمثال بشار الأسد ..
كل التجارب العلمية المادية والإنسانية تقول لنا إن المدخلات هي التي تحدد المخرجات . و التشكيك في هذا يعني هروبا من الحقيقة ومن الاعتراف بالمسئولية
أولا على مستوى البنى السياسية :
مهما يكن حجم التدخل الخارجي – المعترف به – في شأن الائتلاف الوطني . فإن وضع الائتلاف الوطني لا يسر الصديق ولا يغيظ العدا . الشللية أنجبت شَللا . غياب العقلاء عن المشهد ، تغليب المصالح الآنية والشخصية ، والجري وراء سراب الأمجاد الفردية ، وتواري الحكمة ؛ كل أولئك الأمور وضعت الائتلاف في الوضع الذي نرى . ولو أنجز قادة الائتلاف فيما بينهم موقفا وطنيا منيعا لتعاملوا مع كل التحديات التي تواجههم بالحكمة وبما يعود على الثورة بالخير وعلى المعارضة بالقوة ..
وثانيا – على مستوى القوى الثورية :
وبدل أن يكون دور المعارضة البالغة الراشدة ضبطا وربطا وتوحيدا للقوى المتشكلة بفعل الثورة على الأرض فإن الذي حدث ويحدث هو العكس ، فقد انعكس شتات المعارضة تشتيتا للواقع على الأرض . وثمن الفرقة على الأرض ليس أصواتا تعلو على الفضائيات وإنما هو مشكلات من نوع آخر وكلفتها أخرى . كلفتها صعبة على كل المحاور والمستويات .
حين تسأل أصحاب القرار من المسئول عن كل هذا تسمع تعليلات وتحليلات من نفس تحليلات وليد المعلم كل شيء يحل بإطلاق المزيد من الاتهامات …
ثالثا – على مستوى العلاقات السياسية ..
لم تستطع قيادات المعارضة السياسية على اختلاف دوائرها أن تؤسس تحالفات إقليمية يعتد بها . مواقف كل دول الإقليم التي كانت مؤيدة للثورة تراجع وما يزال يتراجع . السبب مرة اخرى تخبط أصحاب القرار في سياساتهم . أو تعاطيهم بضلالة سياسية مع دول الإقليم : الموقف التركي والموقف السعودي والموقف القطري والخليجي والمصري مواقف هذه الدول يتراجع ، أو يحجّم أو يدخل في إطار من المنافرات بسبب غياب الحكمة عن صانع القرار السياسي ، أو تخبطه في طرائق تأتيه ، أو ضعف إدراكه لقواعد وأصول العمل السياسي .
وبدلا من أن تسبق قيادات المعارضة إلى أن تكون ( ملاطا ) يجمع بين ركائز الموقف الإقليمي لمواجهة تحدي المحور( الروسي – الإيراني وتوابعه ) فقد رهن كل فريق من المعارضة موقفهم لمصلحة هذه الدولة أو تلك مما زاد الموقف الإقليمي نفارا والصراع استعارا فلا تكاد تسمع إلا معارضين سوريين يردون على معارضين أو يسفهون موقفهم وآرائهم أو يتهمونهم بما لا يحمد بل بما يعاب ..
لا يستطيع عاقل أن يخلي قادة المعارضة في مواقعها ودوائرها الهرمية من مسئولية . إن السياسات الاعتباطية والمرتجلة والتي لا تقوم على قواعد العمل السياسي والدبلوماسي الركينة هي المسئولة عما آلت إليه علاقات الثورة السورية السياسية .
رابعا – البرود الإعلامي
نراقب حجم البرود الإعلامي العربي والإسلامي في التعاطف مع ما يجري في سورية . وبينما يقر كل فقهاء الإسلام أن الإثم والمنكر الواقع على أهل سورية هو أكبر من الإثم الذي وقع على الأمة بالرسوم المسيئة بمرات ومرات يعجز إعلام المعارضة شكلا ومضمونا عن إيصال صوتها لأمة الإسلام وملايين المسلمين . بغير الضعف والعجز وفقدان البوصلة لا نستطيع أن نفسر المشهد الإعلامي في التعاطف مع الثورة السورية مع حجم المأساة وعمقها .
في يومين من العدوان على غزة منذ أشهر هاجت الجماهير العربية وماجت وهذا حق وواجب ولا مرية فيه ، ولكن الشعب السوري يبقى بلا نوائح لأنه لا نوادب حقيقية له.
ليس هناك هيئة إعلامية راشدة تأخذ على عاتقها وضع رسالة إعلامية والتحرك بها على مربعات الجغرافيا الإنسانية بحجم أهميتها . لا عجب أن يجد كاميرون وأولاند عوائق من الرأي العام في بلادهم تمنعهم من تأييد الثورة ما دامت جيوش بشار الأسد تعمل بجد وعلمية وتخطيط وإعلام ثورتنا يختار طرائق التخبط والتخبيط ..
ليس هذا جلدا للذات ، ولا هو انضماما لمشروع تقاذف الإدانات بل هي طريقة من الاعتراف الذاتي – المونولوج الداخلي – لا تتطلع إلى إدانة شخص أو مجموعة أو فريق بل هو دعوة للمراجعة . دعوة للانخراط عمليا في عصر العقل والعلم والتخطيط والتحرك ضمن شروطه وإهابة للانحياز إلى صف الكبار ؛ الكبار الذين يمكن أن يكونوا سياسيين وثوريين ، وأن يكونوا إسلاميين وعلمانيين ومدنيين وقوميين وليبراليين، وأن يكونوا مسلمين ومسيحيين وسنة وعلويين ودروزا وإسماعيليين، وأن يكونوا عربا وكردا وتركمانا وشركس .
هذه ثورة كبيرة عظيمة لا يحمل عبئها إلا الكبار وخلاف ذلك فلن يقال لنا إلا أيديكم أوكت وأفواهكم نفخت …