شاعر الطفولة المبدعة في ذمة الله سليم عبد القادر شاعر مرهف الإحساس، نذر قلبه وعواطفه وعقله وروحه ووقته وجهده لله ولدينه ولرسوله ولأمته. منحه الله رقة وإيماناً، ففاض شعراً وإحساساً وعلماً وأدباً وإبداعاً. في شبابه أنشأ فرقاً إنشادية في بلده سوريا، فأنشد أشعارَه عددٌ من المنشدين الذين صاروا فيما بعد مشاهير النشيد الإسلامي، وصارت قصائده تتردد على لسان العامة والخاصة. ومن قصائده (توحيدُ ربي)، (يا داعي الرحمن إلى هدى الفرقان)، (لا تسألوني عن حياتي)، (قلبي ينادي يا رب)، (الدين لنا والحق لنا)، (الليل ولّى لن يعود وجاء دورك يا صباح)، (ربّاه قد ضجّ الألم)، (هاك قلبي يا إلهي)، (ميلاد أحمد للحياة حياة)، (كن مسلماً وكفاك بين الناس فخراً)…
يقول في إحدى قصائده:
ماضٍ وأعرفُ ما دربي وما هدفي *** والموتُ يرقصُ لي في كل منعطف
فلم أجدْ غيرَ دربِ الله دربَ هدى *** وغيرَ ينبوعِها نبعاً لمغترف
ولا أبالي بأشواك ولا محن على *** طريقي ولي عزمي ولي شغفي
لكن تعليم الناس عقيدتهم الصافية وأخلاق دينهم عن طريق النشيد رأى فيها طاغية سوريا الأسد الأب نذيرَ شرٍّ على عرشه المبني بلا أساس، فسجنه ولمّا يتخرج من كلية الهندسة بعد. وفي روايته (ما لا ترونه) سجّل، بإنسانية شفافة، مشاعرَ المحقق والسجان والجلاد، فتراه يتعاطف معهم لأنه يراهم في المحنة الحقيقية، ويرى نفسه، وهو السجين المعذَّب، في العافية! إنها النفس الكبيرة!
ولما نجّاه الله من القوم الظالمين خرج من بلده خائفاً يترقب، وتوجّه تلقاء مملكة الإنسانية عسى ربه أن يهديه سواء السبيل. فقد رفض الهجرة إلى كندا، وقال في ذلك:
لا، لن أهاجر مضطراً إلى كندا *** ولن أهاجر مختاراً لها أبدا
إذا نجوتُ بنفسي ما نجوتُ بها *** إن عشتُ في قلق أن أخسر الولدا
وكأن هاجس أن يخسر الولد أخذه لأن يتوجّه إلى أدب الطفولة، فوضع لنفسه هدفاً أن يجعل الهدي النبوي طبعاً وسجية في قلوب الأطفال من خلال قصائده الجميلة التي تركها إرثا نافعاً يهدي أطفال الأمة إلى المكارم والمعالي، وتصدح بها حناجر المنشدين. فحازت أشعاره في تربية الأطفال على جائزة قطر لأدب الطفولة سنة 2008م، إذ إنها لم تكن نظم كلمات، فقد كان مفكراً كبيراً، وشاعراً ذكياً مبدعاً، حوَّل عصارة فكره ومعرفته إلى شعر جميل ينساب عذباً رقراقاً في عقول الأطفال فيرددونه لحناً عذباً سلساً.
ولقد تبنّت إنتاج ألبوماته مؤسسة سنا، ثم تم بثها في قناة سنا للأطفال. وقيل له مرة بأن القنوات الأخرى للأطفال ربما كانت أكثر جاذبية من قناة سنا، فأجاب بأن قناة سنا للأدب الرفيع الذي يبقى مع الزمن، تماماً كما نتكلم عن أشعار كبار الشعراء اليوم، في حين يذهب الشعر الآخر في غياهب النسيان.
لكن اهتمامه بأدب الطفل لم يبعده عن أدب الإيمانيات، فأصدر عدة ألبومات أنشدها عدد من المنشدين الكبار. يقول في إحدى قصائده:
حياتي كلُّها لله *** فلا مولى لنا إلاّه
أُحبُّ اللهَ جلّ عُلاه *** ومِن حُبي له أخشاه
أصونُ النفسَ أحميها *** بنور الله أهديها
بِحُب الله أسقيها *** لتفرحَ عندما تلقاه
ورغم أنه وجد في المملكة أنساً وأصحاباً لكن حنينه إلى ملاعب الصبا كان كبيراً، فكتب يعلّم الناس حب الوطن:
إن كنتَ في سفر *** أو كنت تنتظرُ
سلّم على وطني *** يا أيها القمرُ
ربما نعجب كيف استطاع أن يقدم إنتاجاً غزيراً في عمر قصير لم يصل به إلى الستين؟ إنه كان يعمل بصمت وينتج بلا ضجيج، ويحض على المبادرة والإيجابية، ويسعى لنشر التفاؤل، وينصح بإشعال الشموع بدلاً من لعن الظلام.
على الصعيد الشخصي كان دمث الخلق، باسم الوجه، طيب المعشر، وفياً، متجرداً، بعيداً عن الهوى، مفتاحا للخير، متمسكاً بالإرشادات القرآنية والهدي النبوي في رؤية وسطية للإسلام لا إفراط فيها ولا تفريط. وكان حريصاً على التوفيق والتوافق، ودوداً، ذا قلب كبير، وأدب جم، محباً للهً ولعباده، باذلاً الخير لهم. وفي آخر أيامه المستشفى كان صابرا محتسبا متابعاً لأخبار سوريا، فقد كان يأمل أن ينتصر الشعب السوري وينهزم الطاغية المستبد وزمرته، ربما ليعود إلى مسقط رأسه في مدينة حلب، ولكن شاءت إرادة الله أن يختاره ليُدفن في مكة المكرمة، في المقبرة التي فيها أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
لقد كتبتُ سابقاً مقالين عن ألبومَيْه (نبع الحب) و (عودة ليلى)، وها أنا ذا أنعاه إلى الأمة بأجمعها، شيوخها وكهولها وشبابها وأطفالها. ومما يخفف مصابنا به هو وعد الله سبحانه وتعالى في كتابه (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً. وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). وقد حقق الله له الوعد الأول بأن وجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة، ونسأل الله أن يحقق له الوعد الثاني بأن يغفر له ويرحمه.