يقولون يوم للذكرى . والسابع والعشرون من حزيران / 1980 ليس ذكرى . إنه مشهد حي حاضر … بأحلام أبنائه في سجن تدمر بآمالهم بآلامهم بصيحاتهم بشلال دمائهم بصيحات الله أكبر تنطلق من قلوبهم وترددها حناجرهم ..
إنه مشهد حاضر بمجرميه … بقلوبهم السوداء ، بعقولهم المنغلقة بوجوههم الشائهة بأيديهم الآثمة ، بضحكاتهم المتوحشة تؤكد انتماءهم إلى حالة من الهستيريا المنفلتة من مختبرات الحقد والكراهية والغدر .
المشهد حاضر بأوامر المجرم المأفون وبهدير طائراته وبأزيز رصاصه وبوقع بساطير جنوده المتوحشة على أرض الشام الطهور ..
المشهد حي وحاضر والصور تموج أمام الأبصار والأصوات تملأ الأذان والقلوب يملؤها تأميل وإشفاق وعزيمة وإصرار أن بعد اليوم غدا هو لناظره قريب .
المشهد حي وتحط طائرات الجريمة والإثم عند الفجر . ويخترق الرصاص اللحم الحي ، ينفذ إلى الرؤوس حيث العلم والمعرفة وإلى القلوب حيث الحلم والحب . ينطلق الرصاص ويضحك المجرمون ويصبغ الدم الزكي جبهة الأفق . ويهتف قلب مؤمن واثق بالله : الله أكبر. . الله أكبر وتعلق الصورة في الفضاء . ثلاث وثلاثون سنة مرت والصورة ما تزال هناك . ما تزال بدمائها وأصواتها تأخذ على أبناء سورية سجف الرؤية فلا يرون إلا صورة اللحم والحلم قد اختلطا بعضهم ببعض لام وحاء وميم ، وحاء ولام وميم فهل تجد هناك من فرق ..؟!
صلوا الفجر وجلسوا يحلمون بعود حميد إلى الأهل والدار فهم لم يجنوا إثما ، ولم يرتكبوا جريمة ، ولم يقدموا لأوطانهم إلا جميلا كان من حقهم أن يحلموا بجناه ..
( حسان ) في تلك الزاوية يحلم أنه قد عاد إلى البيت الأم تحتضنه عن اليمين ، والزوجة تحف به عن الشمال ، والطفل بين يديه ينادي با.. وتقطع الباءَ الثانية عن حلمه رصاصة مجرم غادر فيختلط الحلم باللحم بالدم ، وتُسقى شجرة الحب في السماء ، وتغرز شجرة الكراهية مخالبها في الأرض أكثر .
و (عثمان ) يدندن بلحن قصيدة يعارض فيها من قال قبله :
فأطلق لروحك أشواقها تر الفجر يرمقنا من بعيد ..
يرى الفجر قريبا فيمد يده يداعب غرته الشقراء يستمتع بأفراح الروح في عوالمها الفريدة ، وفي مدار من مدارات معراجه السامي تعالج الحلم رصاصة الإثم فترديه ، ويتضرج بالدم يروي هو الآخر شجرة الكلمة الطيبة مكتوب على كل ورقة من أوراقها : الإثم لا يبلى ، والجرم لا ينسى ، والديان لا يموت ، وكما تدين تدان ..
آمال وأحلام وأرواح وألف قلب ينبض بالحب هم هناك مازالوا هناك وسيظلون هناك إنهم : عمر وعثمان مصطفى وكمال محمد وإبراهيم ، ستظل أصواتهم تنادي على المجرمين أسكرهم خمر السلطة:
يا أيهـا الجاني على قومه جناية ليس لهـا بالمطيـق
جناية لـم يدر ما كنههـا جان ولم يصبح لها بالخليق
جناية الأجيال لو دروا ولو عقلوا ولو تدبروا ليست كجناية الأفراد . والجيل يطوي الجيل
السابع والعشرون من حزيران وستبقى الصورة بكل معطياتها،وبكل تفاصيلها، بكل ما كان فيها من مرئي ومسموع ومحسوس ومتخيل ومتصور عالقة في الأفق ، ما تزال تسد مدى الرؤية فلا يرى سوري حر شريف الغد إلا من خلالها ، ولا يسمع الشعر إلا على وقع ألحانها ..
تدمر .. وحماة .. وكم من تدمر وحماة بعد تدمر وحماة قد شهدنا وما زلنا نشهد ..
ما زالت أصوات الشهداء عالقة تجددها اليوم حنجرة إبراهيم قاشوش وغياث مطر وتطرزها بسمة حمزة الخطيب وثامر الشرعي ومائة ألف قلب خفق للحب وللعدل وللحياة كلها تنادي اليوم على المجرم الأثيم : أزفت الآزفة …
في السابع والعشرين من حزيران الثالث والثلاثين : عهد من جيل الثورة ، وحُق للثورة في السورية أن تبقى حالة ، وبكل الثقة والعزم : لا والذي اصطفاكم فاتخذكم شهداء لن ننساكم وإنها لثورة حتى لا يبقى للشر على الأرض السورية ساق ولا جذر ..
عهدا للأرواح التي وفت وقضت فمضت صبر وثبات ووفاء حتى يأتي وعد الله أو نستعيد الحلم الذي مزقه رصاص الكفرة الفجرة : نستعيد الشام لأهله وطنا عزيزا سيدا واحة للعدل والحرية وللأمن وللأمان ..