ملاحظة استباقية: نشرت قبل أيام مقالة “ثورة العلماء”، شكرت فيها علماء الأمة على موقفهم الشهم الشجاع الذي رأيناه في مؤتمر نصرة الشعب السوري، وهذه المقالة مكمّلة لتلك، فبما أنني أثنيت على “ثورتهم” التي بدؤوها فإنني أطالبهم بإكمالها، وأحثّهم على تصدّر الصفوف في ثورات الربيع، وعلى استعادة دورهم المفقود الذي ضيّعوه منذ قرون. وإذا بَدَت هذه المقالة طويلة فإنما هي كذلك لأنها كُتبت للعلماء، وهم يقرؤون المطوَّلات، فمَن استطالها واستثقلها من غيرهم فليدعها ولا يكملها غيرَ مَلوم.
ماذا تريد الأمة من علمائها؟ هذا السؤال صار سؤالَ الوقت الذي يردده أكثر الناس، ولعل فيهم من يحمّل العلماء أكثر مما يطيقون فيقترح أن يقودوا الأمة في دهاليز السياسة وفي ميادين القتال. وليس هذا مطلوباً منهم ولا هم زعموا أنهم أهله، وربما تكلّف أحدهم شيئاً من هذه الفنون وهو لا يتقنها فجاء بالمضحكات أو تسبب في كوارث مُبكيات. الأمر أقرب من ذلك، إنما تريد الأمة من علمائها أن يجهروا بالحق وأن يبيّنوا الأحكام للناس ولا يكتموا العلم الذي يعلمون.
قد يقول قائل إن هذا من البديهيات، ولكنه ليس كذلك إذا فكرنا: أيّ أحكامٍ هذه التي على العلماء أن يبيّنوها للناس؟ ما هو العلم الذي أخذ الله عليهم الميثاق أن يبيّنوه ولا يكتموه، واستحق كاتموه لعنة الله ولعنة اللاعنين؟ هل يحتاج تعليم الناس الصلاةَ والصيام والحج إلى توكيد ووعيد؟ هل تحتاج فتاوى الحضانة والنفقة والعدّة إلى هذا التهديد الشديد من رب العالمين؟
في صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إن الناس يقولون: أكثَرَ أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً أبداً. ثم تلا قولَه تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتابَ لتبيّنُنّه للناس ولا تكتمونَه}، وقولَه: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهُدى من بعد ما بينّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}.
قال القاسمي في التفسير (3/12): “وقد دلت الآية على أن هذا الكتمان من الكبائر، لأنه تعالى أوجب فيه اللعن، لأن ما يتصل بالدين ويحتاج إليه المكلَّف لا يجوز أن يُكتَم، ومَن كتمه فقد عظمت خطيئته”. وقال القرطبي (2/184): “الآية نزلت في أحبار اليهود، والمراد منها كل من كتم الحق، فهي عامة في كل من كتم علماً من دين الله يُحتاج إلى بثّه”. وقد وسّع الإمام ابن عاشور المعنى حتى شمل كل علم أو اجتهاد فيه خير للمسلمين، قال في التحرير والتنوير (2/69): “فالعالم يَحْرم عليه أن يكتم من علمه ما فيه هدى للناس، سواء في ذلك العلم الذي بلغ إليه بطريق الخبر كالقرآن والسنّة الصحيحة، والعلم الذي يحصل من نظر، كالاجتهادات إذا بلغت مبلغ غلبة الظن بأن فيها خيراً للمسلمين”.
وللإمام رشيد رضا في “المنار” كلام نفيس طويل في تفسير هذه الآية، ترددت في نقله كاملاً خشية إطالة المقالة، ثم اجتهدت فحذفت بعضه وتركت بعضه لأهميته ومناسبته للسياق. قال (2/51-52):
“العبرة في الآية هي أن حكمها عام وإن كان سببها خاصاً، فكل من يكتم آيات الله وهدايته عن الناس فهو مستحق لهذه اللعنة. ولمّا كان هذا الوعيدُ وأشباهه حجةً على الذين لبسوا لباس الدين من المسلمين وانتحلوا الرياسة لأنفسهم بعلمه فإنهم حاولوا التخلص منه، فقال بعضهم إن الكتمان لا يتحقق إلا إذا سُئل العالم عن حكم الله تعالى فكتمه، وأخذوا من هذا التأويل قاعدة هي أن العلماء لا يجب عليهم نشر ما أنزل الله تعالى ودعوة الناس إليه وبيانه لهم، وإنما يجب على العالم أن يجيب إذا سئل عمّا يعلمه. وهذه القاعدة مسلَّمة عند أكثر المنتسبين إلى العلم اليوم وقبل اليوم بقرون، وقد ردها أهل العلم الصحيح فقالوا إن القرآن الكريم لم يكتفِ بالوعيد على الكتمان، بل أمر ببيان هداه للناس وبالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوعد من يترك هذه الفريضة، كقوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّنُنّه للناس ولا تكتمونه} وقوله: {ولتكُنْ منكم أمةٌ يَدْعون إلى الخير}. نعم، إن هذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولكن لا يكفي في كل قطر واحدٌ كما قال بعض الفقهاء، بل لا بد أن تقوم به أمة من الناس -كما قال الله تعالى- لتكونَ لهم قوة ويكونَ لنهيهم وأمرهم تأثير”.
ثم قال: “إن الذي يرى حُرمات الله تُنتهَك أمام عينيه ودينَ الله يُداس جهاراً بين يديه ويرى البدع تمحو السنن والضلال يغشى الهدى، فلا ينبض له عرق ولا ينفعل له وجدان ولا يندفع لنصرته بيد ولا بلسان، ثم إذا قيل له إن فلاناً يريد أن يصادرك في شيء من رزقك أو يحاول أن يتقدم عليك عند الأمراء والحكام تَجيش في صدره المراجلُ ويضطرب باله ويتألم قلبه… هل تكون لدين الله تعالى في نفسِ مثل هذا قيمة؟ يَسْهل عليه أن يجادل نفسه ويغشّها بما يسلّيها به من الأماني التي يسميها إيماناً، ولكنه لو حاسبها فناقشها الحساب ورجع إلى عقله ووجدانه لعلم أنه اتخذ إلهه هواه وأنه يعبد شهوته من دون الله، وأن صفات المؤمنين التي سردها الكتابُ سرداً وأحصاها عدّاً (وأظهرُها بذلُ المال والنفس في سبيل الله ونشرُ الدعوة وتأييدُ الحق) أنها كلها بريئة منه، وأن صفات المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم كلها راسخة فيه! فليحاسب امرؤٌ نفسَه قبل أن يحاسَب، وليتُبْ إلى الله قبل حلول الأجل لعله يتوب عليه، وهو التواب الرحيم”.
انتهى كلامه، وأنا أقول له: سامحك الله يا إمام؛ لقد قسوتَ على العلماء وضيّقت ثقوب المصفاة، فلو أن مئة ألف عالم في عشرة قرون خَلَتْ نُخِلوا بها لم يمرّ منها غير مئة أو بضع مئين!
صحيحٌ أن على العلماء أن يبينوا للناس أحكام العبادات والمعاملات، من صلاة وزكاة وزواج وطلاق وبيوع ومواريث، لكن هذا ليس إلا أقل واجبات العالم، وربما تُغْني عنه المراجعة في كتب العلم. إن الإسلام دين شامل يُصلح معاش الناس ومعادهم، وإنّا لنظلمه أيّما ظلم عندما نَقْصر أحكامه على عبادات الناس وما ينشأ بينهم من أحوال ومعاملات، وننسى أن الدين ينظّم أيضاً علاقة المحكومين بالحكام. إذا نسينا هذا الجزء المهم لم يَصلح معاشُ الناس بل تسلل إليه الفساد، لأن صاحب السلطة يميل إلى الظلم والاستبداد مَيَلان الحديد إلى المغنَطيس ما لم يردعه رادع، والدين يمنع الظلم (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرّماً) ويمنع الرضا به (لتأخُذُنّ على يد الظالم ولتأطُرنّه على الحق أطراً ولتقصُرُنّه على الحق قصراً، أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعن بني إسرائيل).
هذا ما نجده في أحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والتسليم، والعالم هو وارث النبوّة وهو المطّلع على أحكام الشريعة، أفلا ترون أنه الوكيل عن الرعية في محاججة الراعي وردّه عن ظلمه وعدوانه وميله إلى الاستبداد؟
في حديث النعمان بن بشير: “ألا إنها ستكون بعدي أمراء يظلمون ويكذبون، فمن صدّقهم بكذبِهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه”. وفي رواية جابر بن عبد الله: “من دخل عليهم فصدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه ولن يرِدوا عليّ الحوض”. ألم يكن في سوريا من وقت قريب من يقول مريدوه إنه “عالم رباني”، فإذا قرأتَ هذا الحديث ظننتَ أنه إنما قيل فيه؟ أليس يدع -هو وأمثاله من علماء السلاطين- كل ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في دفع الظلم والأخذ على يد الظلمة، ثم يروون حديثاً موضوعاً لا أصل له، ينسبونه إلى النبي، والنبي عليه الصلاة والسلام بريء منه ومن معناه: “السلطان ظل الله في الأرض، فإن عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر، وإن جار أو ظلم كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر”؟
ويروون حديث عبادة بن الصامت: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم”. فيتركون الرواية الصحيحة التي تحتوي على هذا النص العظيم (نقوم بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم) والتي أخرجها البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأحمد والنسائي وغيرهم من أصحاب الحديث، ويروون الرواية الأخرى المعلولة لأن فيها زيادة يحبونها: “اسمعْ وأطعْ في عسرك ويسرك ومَكرهك ومَنشطك وأثَرة على نفسك، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك”!
هل يُعقل أن يرضى الإسلام -دين الكرامة والحرية والإنسانية- أن يُجلَد ظهر المسلم فيسكت ويرضى؟ إنه إذن دين العبودية والخنوع! حاشا لله. لا يمكن أن يأمر نبينا الكريم ولا يرضى ديننا العظيم بأن تؤخَذ أموالنا وتُجلَد ظهورنا جَلْد الأنعام والسائمة ونحن ساكتون، بل إن هذا يتنافي مع الحديث الصحيح الصريح: “مَن قُتل دون ماله فهو شهيد”، ويُناقض أمرَ النبي عليه الصلاة والسلام بالدفاع عن المال؛ أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي عليه الصلاة والسلام فسأل: أرأيتَ يا رسول الله إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تُعْطِه مالك. قال: أرأيتَ إن قاتلني؟ قال: قاتِلْه. قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
ولعل هذا التناقض الذي لا يقبله العقل هو ما دفع أخانا الفاضل الشيخ الفقيه المحدث صلاح الدين الإدلبي إلى دراسة طرق الحديث كلها ورواياته المتعددة، بما فيها الرواية التي وردت فيها زيادة “وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك”، ودرس أيضاً طرق حديث حذيفة بن اليمان ورواياته التي وردت في بعضها زيادة: “وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع”، ثم قال: “فخلاصة القول في هذين الحديثين أنهما لم يصحّا بالزيادة التي فيها ضرب الظهر وأخذ المال، وأن هذه الزيادة معلولة”. جزاه الله خيراً، فقد أحسن إلى الأمة وأنقذها من آثار تلك النصوص السلبية المدمّرة.
ظن كثير من العلماء أن مهمتهم هي حثّ الناس على الصمت والصبر واحتمال الظلم والاستبداد، فانصرفوا إلى كتبهم يستخرجون منها فتاوى غريبة ما أنزل الله بها من سلطان ولا يقوم عليها دليل ولا برهان، فتاوى تدعو إلى “الرضا” بجَور الإمام الجائر و”السكوت” عن ظلمه وعدوانه. من أين جاؤوا بهذا الحكم الغريب وقد سَنّ ثاني أعظم خلفاء الإسلام لمن بعدَه من الحكّام سنّةً فوقف على المنبر فقال: “إذا رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوّموني”. فسنّ أصحابُه لمَن بعدهم من الأتباع سنّة فقال قائلهم: “لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوّمناك بسيوفنا”؟ ثم جاء من بعدهم خَلْف فقالوا: بل مُدّوا الأعناق لسيوف السلاطين فليقطفوا منها ما يشاؤون! ألم يدركوا أن الصمت و”الصبر السلبي” يخالفان واحداً من أصول الإسلام الكبرى، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويخالفان مقصداً من مقاصد الشارع الرئيسية، وهو تحقيق العدل في الدنيا؟ فكيف يأمر الدينُ الناسَ بالرضا بالظلم إذا كان العدل من مقاصده الكبرى في الحياة؟
وليت العلماء علّمونا “فقه المطالبة بالحقوق” بدلاً من “فقه الرضا بنهب الحقوق”؛ ليتهم -حين أغلقوا باب الخروج على الحاكم- فتحوا لنا طاقة نتنفس منها، طاقة التعبير والتغيير بالضغط والإنكار والتذكير! كان ينبغي على علماء الأمة أن يفتحوا باباً واسعاً وأن يقودوا هم الأمةَ من خلاله، باباً إلى الحرية والكرامة والوقاية من الاستعباد والاستبداد، أساسُه الأمر العلني بالمعروف والنهي الجريء عن المنكر. وأيُّ معروف أعرَفُ من العدل وأيّ منكر أنكَرُ من الظلم والاستبداد؟ لو فعلوا لأسّسوا مفهوم “المقاومة المدنية” على أساس إسلامي، ولتبعتهم الأمة فدافعت الظلم ولم تسكت عنه سكوت الشياه والبهائم بين أيدي جزّاريها، وهو سكوت دفعت ثمنَه في الدنيا ذلاً ومهانة قروناً طويلة، وسوف تدفع ثمنه في الآخرة حين يسأل الله الناس: لِمَ رضيتم بالظلم وسكتم عن الظالمين؟
ما أعجب العالم الذي يرى من السلطان الظلم والعدوان على حريات الناس ودمائهم وأموالهم ثم يسكت عنه فلا يوجه إليه نصيحة ولا يطالبه بإصلاح، وينصرف إلى الضحايا فيقول لهم: ليس نصح الحاكم وتقويم الحاكم مما يسألكم عنه الله، إنما يطلب الله منكم الصبر إذا ظُلمتم والرضا إذا أُكلتم، وإذا قُتلتم فموتوا بصمت ولا تزعجوا وليّ الأمر بالصراخ! الصبر والصمت والرضا؟ بئست النصيحة التي يقدّمها عالم لقومه!
يا أيها العلماء: لقد كادت هذه الفتاوى تفتن الناس عن دينهم، فتداركوا الناسَ ودينَ الناس، وعودوا إلى كتاب الله وسنّة رسول الله ومنهج أصحاب رسول الله قبل أن يفقد الناس ثقتهم فيكم وفي دين الله. ما كان الله ليرضى لعباده أن ينشؤوا في الذلة والهوان ولا يرضاهما رسول الله لأمّته، فإن أمة لا تعرف كيف تحافظ على حريتها وكرامتها لا بد أن تصبح ألعوبة ومطيّة لغيرها من الأمم، وهذا ما كان في القرن الأخير الكئيب من عمر الزمان!
ربما سأل سائل: لماذا تُحمّل العلماء ذلك الحمل الثقيل وتطالبهم بما لا تطالب به غيرَهم من عامة الناس؟ والجواب: لأن العالم ليس رجلاً كأي رجل ولا يستوي هو والعامي من سواد الناس، ولو أنه فرّط أو جَبُن لضاعت الأمة. الإمام أحمد لم يتراجع ولم يستسلم، ولو تراجع واستسلم لتغير تاريخ جماعة المسلمين. نعم، قد يموت العالم وقد يموت أهله وبَنوه، ولكنه يترك الأثر العظيم كما تركه الغلام الذي مات فآمنت الجماعة بموته: “آمنّا برب الغلام”، وكما مات سيد قطب رحمه الله فتحولت كلماته من عرائس شمع إلى مخلوقات تنبض بالحياة.
إن العالم إذا جمع العلمَ والإخلاص والجرأة في الحق سَلِمت الجماعة بفضله بعد فضل الله، وإذا فقد أياً مما سبق ضاع وضيّع الناس. فلعله يكون جاهلاً ويفتي بما لا يعلم فيُضل السائلين، ولعله يكون من علماء الدنيا فيشتري بعلمه الجاه ويبيع الدين، أو يداهن الأمراء ويحرّف الدين لإرضاء السلاطين، أو يَغلب عليه الخوف والتردد فيضيّع الأمة ويقدمها قرابين على مذابح الطغاة والمستبدين.
الخلاصة: إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وكما منحهم العلم مهابة ومنزلة ليست لغيرهم فكذلك وضع على ظهورهم همّاً لم يحمله سواهم، فليس لهم خيار إلا أن يصدعوا بالحق وأن يقفوا مصطفّين مع أهله، وأن يتصدّروا الإصلاح بفتاواهم وأن يكونوا هم بوصلة الناس، بهم يقتدون وبمواقفهم يهتدون.
إن على العلماء واجباً شرعياً وواجباً أخلاقياً لا يستطيع أن يقوم به غيرهم، فالأمة متعلقة بهم وبأقوالهم ومواقفهم، ولو أنهم جهروا بالحق -كما ينبغي لهم وكما هو مطلوب منهم- فربما يؤذَونَ في أنفسهم وفي أولادهم، ولكنهم سيقصّرون الطريق الصعب الطويل على الأمة بمجموعها، ومهما تبلغ التضحيات التي يمكن أن يقدموها فإنها أهون بكثير من تضحيات شعوب كاملة تَألم الألمَ الشديد وتعاني الويلات وتقدم القرابين بلا حساب.