بقلم: د. موفق مصطفى السباعي
إن ما حدث في مصر لم يكن مفاجئاً ولا غريباً لمن كان يتابع ويراقب التطورات الحادثة فيها منذ 25 كانون الثاني 2011 وحتى اليوم .. ولمن كان قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
وقد سبق قبل عدة أشهر أن حذرت وتخوفت من إنقلاب العسكر على الشرعية الدستورية القانونية الإنسانية البشرية الشعبية وتوقعت أن يحصل في مصر كما حصل في الجزائر في عام 1992
ولكن لماذا حصل في مصر ما حصل ؟؟؟
يجدر بنا أن نقول بمنتهى الجرأة والصراحة والشجاعة الحقائق والوقائع التالية لنتبين ونتعرف على حقيقة ما حدث في مصر :
1- سقط الرئيس اللامبارك حسني وأُبعد عن إدارة البلاد ولكن أركان حكمه وأزلامه وبلطجيته في كافة الدوائر والإدارات الحكومية بقيت كما هي
2- زال الرأس العفن ولكن بقيت الأذناب تسرح وتمرح وتعيث في الأرض فساداً وخاصة رجالات القضاء والإعلام فهم أفسد أهل الأرض طراً وكل ما يقال عن نزاهة القضاء وإستقلاليته كذب وتزوير ودجل فهم القوم يشقى بهم جليسهم ومحكوميهم هم أكابر المفسدين والبلطجيين
رضعوا الفساد وتشربوه في عروقهم ودمائهم طوال ستين عاما من عهد عبد الناصر الذي قام بإنقلابه الأحمر في 23 تموز 1952وحتى الآن
هم الذين حكموا بالإعدام على خير الخلق يومها سيد قطب في 29 آب 1966
وجرائمهم ومفاسدهم أكبر وأعظم من أن تحصى
3- علاقة رجالات الجيش – الذي يسمى زوراً وبهتاناً أنه جيش وطني وهو لا يعرف من الوطنية إلا إسمها – برجالات الجيش الأمريكي والإسرائيلي وثيقة وإستراتيجية وحميمية إلى أبعد الحدود وهو يتلقى أوامره وتعليماته من البنتاغون مباشرة حتى في عهد اللامبارك ولذلك إستطاع إجباره على الرحيل بمسرحية هزلية فكاهية لإمتصاص غضب الشعب الغاضب الثائر
4- الشعب المصري على الرغم من عظمته وعراقته وأصالته وإنتاج أعظم مفكري العرب وقادتهم في القرن الماضي بالذات إلا أن معظمه يتصف بأنه شعب غلبان وبسيط وعاطفي ومن السهولة الضحك عليه وخداعه وأمريكا الخبيثة الماكرة الداهية تدرك هذه الحقيقة جيداً وتعرفها ولذلك أمرت الجيش المصري بلعب هذه المسرحية الهزلية بإبعاد حسني عن الحكم لتحقيق هدفين :
الأول : إبعاد حسني عن الواجهة مع الإبقاء على كافة أركان ورموز حكمه الفاسدين ليكملوا المشوار بعده بطريقة مختلفة
الثاني : إظهار الجيش بأنه منحاز إلى الشعب ووطني ليكسب ثقته ومن ثم يوظفها في هذا الإنقلاب تحت غطاء شعبي مزيف
5- أخطأ الإخوان المسلمون في موقفين
الأول : حينما إستعجلوا في قطف الثمرة فتقدموا بمرشحهم لرئاسة الجمهورية وإستلام تركة فاسدة تنوء بحملها الجبال الرواسي
فكانت الحكمة تقتضي منهم أن يتركوها لغيرهم كي يفشلوا ومن ثم يأتوا بعدهم بقوة شعبية أكثر وإستغلال فترة الحرية الجديدة في تقوية مراكزهم وتدعيمها بمؤيدين جدد.
الثاني : حينما سكتوا على قرار المحكمة اللادستورية الظالم الجائر غير القانوني ولا الدستوري ولا الأخلاقي ولا المنطقي بإلغاء الإنتخابات النيابة
إذ كيف يتم إبطال إنتخابات نيابية بعد أشهر من إجرائها وانعقاد جلسات عديدة للمجلس والبدء بإتخاذ إجرءات تشريعية لإدارة البلاد بحجج واهية لا يصدقها حتى المعتوهون؟؟؟
الجواب :
لأن معظم النواب يحملون مشروعاً حضارياً مسلماً فأرادوا تحطيمه وتدميره
ولذلك كان الأجدر بالإخوان المسلمين أن يرفضوا هذا القرار ويحشدوا كل قواهم لمقاومته وإبطاله ويتصدوا بكل حزم وقوة لهذه المحكمة المستبدة الطاغية التي هي صنيعة العهد السابق وهاهو الآن رئيسها يتربع على سدة الحكم بقوة العسكر !!!
وأن يدركوا اللعبة الخبيثة الماكرة التي خططت لها تلك المحكمة الفاسدة وهي إفراغ البلد من الحياة النيابية وجعل الرئيس – أيا كان توجهه – هو المهيمن والمسيطر على البلد وبيده السلطتين التشريعية والتفيذية ليُتهم فيما بعد بأنه حاكم مستبد إذا كان ذا فكر إسلامي وتمكينه من السيطرة والهيمنة والحكم الفردي إذا كان علمانياً لا دينياً
6- أخطأ الرئيس محمد مرسي حينما لم يحصن نفسه ويحميها من الأوباش والزعران فكان عليه أن يعين أخلص المخلصين والمقربين له ولفكره في الوزارات السيادية الثلاث على الأقل وهي : الدفاع والداخلية والخارجية وهذا حقه الدستوري والقانوني والأخلاقي والعرفي والتقليدي المتبع في كل دنيا العالم
كيف يترك هذه الوزارات الثلاث الرئيسية الهامة لشذاذ الآفاق وبلطجية النظام السابق الفاسد المجرم لينقلبوا عليه ؟؟؟
إنه كان خطأ قاتلاً مميتاً ما كان ينبغي أن يغفل هو أو مستشاروه عنه
7- وأخطأ الرئيس محمد مرسي حينما تعامل مع شعب كان لا يُساق إلا بالعصا على مؤخرته والسوط على ظهره فرفع السوط والعصا دفعة واحدة فأصبحوا مردة وشياطين وسفهاء لا يقر لهم قرار
فكانت الحكمة تقتضي أن يرفعها قليلا مع إبقائها في بعض المواضع والمواقف التي تقتضي إستخدامها
8- وأخطأ الرئيس حينما تعامل مع رعاع الناس وغوغاء الشعب وسفهائهم باللين والحسنى وكان متساهلا مع الأوباش وسليطي الناس والثرثارين والتافهين فظهر أمامهم كأنه ضعيف الشخصية
فمثل هذه الطبقة السافلة من البشر لا ينفع معها إلا الحزم والقوة والبأس والشدة .
وهذا مقتضى قول الله تعالى :
وَلَكُمْ فِى ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌۭ يَـٰٓأُو۟لِى ٱلْأَلْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة آية 179