مع اعترافنا أصلا بأن التظاهر السلمي هو حق من حقوق الشعوب . وآلية من آليات الحياة الديمقراطية للتعبير عن الرأي . ومع احترامنا المسبق والمقدر للكثير من الجماهير التي تملأ الميادين المصرية تعبيرا عن غضب مشروع ومقدر الأسباب ؛ فإن ما يجري في مصر اليوم ببواعثه التي لا تخفى يشكل سابقة خطيرة في الانقلاب المبكر على مشروع الديمقراطية العربي الذي حلمت به جماهير أمتنا جميلا ومزهرا ومنجزا ..
لا يدخل في هذا التقويم الحديث عن مدى النجاح أو الإخفاق الذي منيت به التجربة الديمقراطية المصرية خلال عام ، آخذين بعين الاعتبار دور قوى الشد العكسي في عمليات الإعاقة والتحريض وإشاعة الإحباط .
إن أخطر ما في الأمر اليوم أن يرى الإنسان العربي– وليس المصري وحده – أولئك الذين طالما تحدثوا عن سلم للديمقراطية يكسره من يسمونهم بغيا – الإسلاميون – بعد أن يصلوا إلى السلطة عن طريقه ، يبادرون هم أنفسهم إلى كسر هذا السلم لأنه لم يسعفهم في تحقيق طموحاتهم ومآربهم ..!!!!
لا ينكر أحد أن شعوبنا الخارجة لتوها من عهود الاستبداد والفساد والإفساد تحتاج إلى فترة من النقاهة أطول لتستعيد وعيها بذاتها ، وإدراكها لما يدور حولها ، وحسم خياراتها على طريق إثبات وجودها الحضاري والقومي والوطني . يحتم كل ذلك على النخب الوطنية على اختلاف توجهاتها أن تتحمل مسئولياتها في هذه الفترة الدقيقة والحرجة من تاريخ الأمة لتكريس قواعد المجتمع المدني المؤسس على البر والقسط ، والاحتكام إلى آليات العصر الديمقراطية الرئيسية : الحوار السلمي كآلية من آليات التوافق ، وصندوق الاقتراع كآلية من آليات حسم القرار .
إن خطورة الموقف الناتج اليوم عن التشكيك في هاتين الآليتين ( رفض الحوار – والانقلاب على صندوق الاقتراع ) أن الذين يطلقون الرصاص على هذه الآليات الحضارية التي توافقت عليها شعوب الأرض لحسم خلافاتها على الأفكار والأشخاص ؛لا يملكون بديلا عنها ..
وأنهم حين يجدون لأنفسهم الذرائع لرفضها سيفتحون الباب واسعا لمن يخالفهم أن يفعل الشيء نفسه .
إن الذين يرفضون الحوار الوطني في مصر وينقلبون على نتائج صندوق الاقتراع يدفعون مشروع الثورة العربية في طريق المجهول . إنه نظرا لمكانة مصر المركزية فإن الحدث المصري لن يبقى مصريا ؛ بل ما أسرع ما سيتحول عربيا .. ولا يمكن لهؤلاء البهلوانات الذين يصادرون مخرجات صندوق الاقتراع الحر والنزيه اليوم أن يدعوا الناس إلى النزول على حكمه غدا
بقلق بالغ ننظر إلى مجريات الانقلاب على الشرعية في مصر . مؤكدين أن شرور انعكاسات المشهد المصري سوف تستطير نارا تحرق أول من يظن أنه قادر على الاصطلاء بنارها ..
وستبقى ثورة الشعوب العربية عصية على الاحتواء وعلى التدجين وعلى حرفها عن طريقها . وإن تحدي إرادة الشعوب سترتد على أصحابها زلزالا مدمرا لن يستطيعوا الإحاطة به .
بين الشركاء الوطنيين الحقيقيين يبقى الحوار الوطني هو الجسر الذي تلتقي عليه كل الأطراف .
ولقد انقضى عهد الأقبية والجلادين والسجون الذي يراهن عليه بعض المراهنين . قد يكون للباطل كرّة ولكن ليله ولى ولن يعود ..
نؤكد وقوفنا الكامل إلى جانب المشروع الديمقراطي العربي في كل مكان بركيزتيه الحوار الإيجابي المنتج الذي يجسر الفجوات ، وصندوق الاقتراع الحر النزيه الذي يحسم الخلاف ولا يكسر الإرادات .
و من المفيد أمام صندوق الاقتراع أن نتفهم الخسارة انتصارا وأن نفهم جماهير أمتنا الأمر كذلك لا أن يذهبوا في طريق التحريض.
نؤكد دعمنا للشرعية في مصر ممثلة في الدستور الوطني وفي الرئيس محمد مرسي ونعتبر أي مساس بهاتين الركيزتين كرة من لهب لا يدري من يمسكها إلى أين سيقذفها بعد ..
حمى الله مصر ووفق الله شعبها ونصر مشروع الثورة العربية في كل مكان ..