هذا موضوع يطول لو أطلقت فيه القلم، وهو قطعاً موضوع خطير يستحق التطويل والتفصيل، فلعلي أعود إليه من بعد، أما الآن فإنني أكتفي بخلاصته كما نشرتها قبل قليل في حسابي التويتري في ست وعشرين تغريدة تعرضه بأكثر إيجاز ممكن:
1- طبول الحرب تُقرع بشدة على الأرض وعبر الأثير؛ لقد بدأ للتو هجوم كبير على الإسلام وأهل الإسلام. إنه الهجوم الثاني الذي أشهده في حياتي الواعية.
2- الهجوم الأول بدأه قبل ستين عاماً الطاغية البائد جمال عبد الناصر في مصر، ثم تبعه الشيوعيون والبعثيون في العراق وسوريا وعدن والجزائر وغيرها.
3- على المدى القصير كانت الضربة شديدة وخسرنا الجولة الأولى: مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمشردين، ولكن الإسلام انتصر على المدى الطويل.
4- طوى الزمنُ الطغاةَ وذرَت الرياح مشروعاتهم الضالة، وعاد الإسلام وأهله أقوى مما كانوا، وانتشر التدين وزاد الوعي واسترجعت الأمة هويتها المفقودة.
5- قواعد الحرب اختلفت هذه المرة، فالأمة اليوم أكثر وعياً وتماسكاً، وقد كسر “الإعلام البديل” احتكار الطغاة القديم للمعلومات، وتغيرت نفوس الناس.
6- وهذا هو الإنجاز الأعظم على الإطلاق. ربُّنا تبارك وتعالى علّق تغيير الحال بتغيير ما بالأنفس، فانظروا إلى التغيير الهائل في نفوس الناس اليوم.
7- الناس ارتقى تدينهم وتحسنت عبادتهم وأخلاقهم من عشرات السنين، لكن السنوات الأخيرة شهدت للمرة الأولى منذ قرون تغيراً جوهرياً حقيقياً في النفوس.
8- الناس غيروا ما بأنفسهم: استبدلوا بالخوف شجاعة وبالتردد إقداماً وباليأس أملاً وبالتواكل عملاً.. كل ما بالنفس تغير، فكيف لا يغير الله الحال؟
9- قبل نصف قرن بحث مالك بن نبي في أسباب استعمار الأوربيين لبلاد المسلمين، فاستنتج أن المشكلة الحقيقية لم تكن في ضعف الجيوش بل في ضعف النفوس.
10- حسب تشخيصه فإن المسلمين استُعمروا لأنهم كانوا مستعدين أو قابلين للاستعمار، أو -بتعبيره الخاص- لأنهم كانوا يملكون “القابلية للاستعمار”.
11- وأنا أستعير نظريته فأقول إننا ابتلينا بالانقلابات العسكرية والحكم الاستبدادي خلال نصف القرن الأخير لأننا كنا نملك “القابلية للاستبداد”.
12- لهذه النظرية أصل علمي؛ عالم الاجتماع الألماني الشهير ماكس فيبر قال قبل مئة سنة إن علاقة المسيطِر بالمسيطَر عليه تتضمن حداً أدنى من الطاعة الطوعية.
13- بل إن في التعبير القرآني الدقيق تصديقاً لها: {استخف قومه فأطاعوه}. لم يقل “قهرهم فأطاعوه” لأنهم أطاعوه طائعين بسبب حالتهم النفسية والعقلية.
14- الذي حصل الآن أن الشعوب -التي تربت على الاستسلام والطاعة الطوعية لوقت طويل- تغيرت تركيبتها النفسية (غيرت ما بالنفس) فصارت عصية على التطويع.
15- الطغاة المعاصرون مستعجلون ويريدون خنق الثورات وتطويع الشعوب، ولكن هذه العملية لا تتم بأدوات عسكرية بل بأدوات اجتماعية، والزمن لن يمهلهم.
16- التغيير الاجتماعي بطيء جداً،وحتى لو وضعوا أعظم المخططات لإعادة “تدجين” الشعوب فإن هذا الأمر يستغرق عشرات السنين. الشعوب حركتها أسرع بكثير.
17- الأدلة الدينية والعقلية والعلمية والتاريخية تقول إن معركة الأنظمة مع الشعوب محسومة لصالح الشعوب. هذا من حيث النتيجة أما الثمن فإنه كبير.
18- الأمة فقدت حريتها تقريباً منذ قرنين، وقد كانت حركات التحرر في القرن العشرين حركات وهمية، الآن فقط بدأت الأمة بمشروعها الحقيقي للاستقلال.
19- هذا الهدف العظيم لا يمكن تحقيقه في أيام قليلة ولا يتوصل إليه إلا بتضحية كبيرة. لا أحد يحب المعاناة ولكن طريق الحرية محفوف دوماً بالتضحيات.
20- شوقي لوّن الحرية فوهبها حمرة الدم: “وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدَقّ”، فإن لم تَدقّ عليه الأيدي المضرجة بالدم وتُلحّ بالدق فلن يفتح أبداً.
21- وشوقي أيضاً كبّل أعناقَ الأحرار بديون للأوطان لا تُستوفى إلا دماً: “وللأوطان في دم كل حر يدٌ سلفت ودين مُستحق”. إنه ثمن المجد والحرية والكرامة.
22- المنطقة العربية كلها تستقبل اليوم زلزالاً من أشد الزلازل التي شهدتها في القرون الخمسة الأخيرة. إنها “إعادة إنتاج” أو ولادة جديدة للأمة.
23- مهما طالت المحنة واشتد الكرب فإن المعركة ستنجلي هذه المرة -بإذن الله- عن نصر أكبر بكثير من النصر الذي انجلت عنه معركتنا السابقة.
24- لعل الله أذن لهذه الأمة أخيراً أن تعود إلى الصدارة واختار هذا الجيل ليأتي النصر على يديه، فلم تعد المعركة معركة شعب أو بلد بل معركة أمة.
25- المعركة كبيرة وطويلة، فجهزوا أنفسكم للعطاء والعمل وأخلصوا النيات، وتوكلوا ولا تتواكلوا، واعلموا أن دوام الحال من المحال وأن لكل ليل نهاية.
26- فاصبروا أيها المؤمنون وصابروا وثقوا بالله وبنصره في النهاية، فإن العاقبة للمتقين (قال “العاقبة” التي هي آخر الطريق، ولم يقل مراحل الطريق).