شراء الذمم بالفساد
أصدر بشار الأسد قرارات لزيادة رواتب موظفي الدولة ومعاشات التقاعد، كما رفع الحد الأدنى للأجور لغير العاملين لدى الدولة ليناهز 13 ألف ليرة.
إن هذا الحد الأدنى للأجور يعادل حوالي 60 دولارا حسب سعر صرف الليرة بالسوق السوداء، أي حوالي دولارين في اليوم، فإذا كانت الأسرة مكونة من أربعة أشخاص، فمعنى هذا أن حصة الفرد فيها نصف دولار! في حين أن خط الفقر المقرر عالمياً منذ سنة 2008م هو دولار وربع في اليوم، ما يعني أن هؤلاء في فقر مدقع.
إنها محاولة الأسد في الزمن الضائع لشراء الذمم لإيقاف عجلة الثورة, ولكن هيهات.
ربما شراء الذمم بالمال أمر معروف ومقبول عند بعض الناس، لكن ما كتبه بعض الطلبة السوريين على الفيسبوك يثير حفيظة الذين يهمهم أمر بلدهم أكثر بكثير مما يهمهم موضوع المال. فقد أقيمت امتحانات الشهادة الثانوية في المناطق التي مازالت محكومة من قِبل النظام في أجواء غريبة عن حس الطالب السوري.
فمن المعروف أن امتحان الشهادة الثانوية السورية يتم في العادة في منتهى الصرامة من حيث الانضباط ومنع الغش. والأسئلة مركزية من وزارة التربية، ويتم اختبار الطالب في مركز امتحان غير مدرسته… الخ
لكن ما كتبه بعض الطلبة على صفحات التواصل الاجتماعي عما رأوه بأعينهم من السماح للطلاب بالغش أمر غريب جداً. بل كتب بعضهم بأن بعض المراقبين كانوا يأخذون الإجابات الصحيحة من طالب لينقلوها إلى طالب آخر.
لا أجزم أن هذا هو الذي حصل في كل مراكز الامتحان، لكن الطلاب المجدّين الذين كتبوا ذلك كانوا منزعجين أن يحصل الطلاب الذين مستواهم أدنى على درجات أعلى تؤهلهم لدخول الجامعة، في حين قد لا يستطيع الطالب المجد أن يحصل على مقعد في الكلية التي يرغب.
في الثمانينيات من القرن الماضي، يوم كان هناك ثورة على الأسد الأب، لم يحصل مثل هذا الغش، لكن اخترع الأب زيادة فاسدة للدرجات. فالطالب المنتسب لما يُسمى منظمة الشبيبة يحصل على عشر علامات، وأكثر منها لمن ينتسب لحزب البعث، وإذا التحق بمعسكر الصاعقة يحصل على خمس وعشرين علامة، أما إذا التحق بدورة المظليين فيحصل على خمس وأربعين علامة، علماً بأن المجموع الكلي لعلامات الثانوية السورية هو مائتان وأربعون علامة دون علامة مادة الدين التي لا تُحسب أصلاً ضمن الدرجات وذلك لجعل الطلاب يهملون مادة الدين.
كل تلك العلامات كانوا يأخذونها بلا تعب، لكنها أهّلتهم لدخول الكليات التي لم يمكنهم دخولها من خلال علاماتهم الحقيقية. لكن النتيجة السيئة كانت جاهزة، إذ ارتفعت نسبة الرسوب في الجامعات، ونتج عن ذلك أن ترك كثير من هؤلاء الجامعة في السنوات الأولى لأنهم لم يستطيعوا التقدم.
إنها طرق شيطانية لشراء ذمم الطلاب ليؤيدوا النظام على حساب المبادئ والأخلاق. فمعايير الولاء مقدَّمة على معايير الكفاءة. لكن! أي ولاء يأتي ممن تشتريه بالفساد والإفساد؟ وقد قيل: مَن تشتريه سوف يشتريه غيرك إذا دفع أكثر! وبئس ما يشترون! لقد وصفهم الشاعر بأن عروشهم زَبَدٌ أٌقيمَ على أساس الماءِ، كما وصف قهرهم لجموع الناس بأن قصورهم مبنية بجماجمِ الضعفاءِ!