بقلم: حسن قاطرجي
انطلق (قطار الثورات) قبل عامين ونصف في عالمنا العربي بوَقُود قوّة إصرار الشعوب على الخلاص من الطغيان والاستبداد والتخلُّف: هذه الأثـقال المُخيفة التي أنَّت من ثِقَلها وأعبائها وآلامِها وعَنَتِها هذه الشعوب المسكينة المضطهدة: التوّاقة كلها للحرية والمتطلِّع سوادُها الأعظم لاستعادة الارتباط بدينها وهُوّيتها الثقافية… ومرّ القطار بعدّة محطّات طيلة هذه الرحلة المُبْهِجة بآمالها وأفراحها وانتصاراتها، والمُحزنة بآلامها ونزيف دمائها وبشاعة جرائم الطغاة التي يرتكبونها قبل رحيلهم! ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي، فمِنْ أبياته في قصيدته الرائعة (دمشق):
ولا يبني الممالكَ كالضحايا— ولا يُدني الحقوق ولا يُحِـقُّ
وفي القتل لأجيالٍ حـيـاةٌ — وفي الأسرى فِدىً لهم وعِتْقُ
وللحرية الحمـراء بـابٌ — بكـل يـدٍ مُضَرّجـةٍ يُـدَقّ
والآن يصل القطار إلى (محطة رمضان) فيقف عندها ويتزوَّد منها ما يجب أن نَضُخَّه في خزّانه لكي تحقِّقَ هذه الثورات أهدافها وتتسدد ببوصلة هُوّية شعوبها… وتحذَر من تحريف المُغرضين والمتآمرين والخوَنة وأولئك الذين استمرؤوا الإجرام والعبودية للغرب والعمالة للأجنبي أوللمشروع الطائفي الذي ظاهِرُهُ (ما يُدغدغ عواطفَ الشعوب وتَوَقانَها للخلاص من مَكْر اليهود)، وباطِنُهُ (من قِبَله الخيانة والحقد والضغينة) لتحقيق مصالح المشروع الأمريكي – الصهيوني في بلاد المسلمين وخاصة في بلاد الطَّوْق لفلسطين الحبيبة الغالية: (سُرّة بلاد الشام) ومهوى أفئدة المجاهدين ومطمح مخططات المخلصين لتحريرها بإذن الله مهما طال الزمان…
ولن يتزوّد (هذا القطار) حقّ الزاد إلا إذا تقوّى عند (محطة رمضان) بالزاد التالي:
– بتقوى الله عزّ وجلّ… فهو سبحانه يقول: (وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى)، ليخافَهُ (الثوّار) خصوصاً والمسلمون عموماً ويُعظّموه سبحانه وتعالى… ويزدادوا تقرُّباً إليه والتزاماً بأوامرِه، وبُعداً عن نواهيه، وتحقُّقاً بالإخلاص له، وزهداً في المنافسة على المناصب وحبّ البُرُوز والتنازُع لمصلحة (الأنا)… فتَمتلئ القلوب خشيةً منه وإجلالاً له واتصافاً بالأخلاق التي يُحبُّها، والتي لعباده الصالحين ارتضاها: أخلاقِ التسامح والتواضع والزهد في متاع الدنيا ومناصبها وزينتها، والحُبِّ لعباده الصالحين والتغافُر معهم وطِيب القلب تُجاهَهُم، والكُرْه لأعداء الدين والفجرة والظالمين…
– بالصبر وطول النَّفَس… فإنهما من أهمّ العُدّة في معركة الحياة… وفي جولات الصراع بين الحق والباطل… ومن أهم وأصعب مؤهِّلات من يمكّنهم الله لإقامة دينه وإمامَة عِبادِه وإدارة شؤون بلاده بمنهجه وأحكام شريعته!
– بقوّة الإرادة… فرمضان يَشْحَذُها ويُصَلِّبها، وتحقيقُ الأهداف وتحمُّل المسؤوليات تتطلّبُها.
– باجتماع الكلمة ووحدة الصف… لأنهما شرط الله عزّ وجل للنصر {وأطيعوا اللهَ ورسولَه ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحُكُم} ولا شكّ أنّ كل ممارسات وشعائر رمضان تعمّق الالتزام بهما.
– بالانضباط التامّ وكمال النظام… وليس مثل (عبادات الإسلام) – وعلى رأسها الصيام وأعمال رمضان – تربِّي عليهما! لذا يشتدّ الأسى ويتعاظم العَجَب من نفور كثير من المسلمين منهما، في المقابل: حرص أعداء المسلمين ومنظّمات الحاقدين وتجمُّعات أهل البدعة المتكالبين، ومؤسسات الأجانب الكفرة في بلادهم وبلاد المسلمين عليهما…
لذا نردِّد مع الفاروق الإمام عمر رضي الله عنه: نعوذ بالله من عَجْز الثقة وجَلَد الفاجر!