اطلعت عرضا على نص سياسي لشخصية وطنية أكنّ لها الود والاحترام . كان النص ينضح بألم نفسي ، وشكوى مرة ، ويؤشر بطريقة موحية إلى بعض ملامح الاختلاف بين الناس .
ولقد جعلت النص بأبعاده النفسية والفكرية موضع تأمل ومراجعة بحثا عما يمكن الاتعاظ منه والبناء عليه . لأبدأ بالقول للصديق الودود الصادق فيما عبر عنه من ضيق وألم ، أنها هي الدنيا وطبيعة الأشياء وليس لمن يتصدى لشأن كالذي تصدى الصديق له ألا ينتظر من الناس إلا المديح والاطراء أو التسديد والدعاء . فالناس في شدة ولأواء تدفعهم في كل ساعة إلى أن يجدوا كبيرا يشتكون إليه أو يشكون منه . ..
وفي كثير من الأحيان حين أسترجع في ذاكرتي ما عانيته في حياتي الجماعية من قريب ومن بعيد ، ومن موافق ومخالف ؛ أعود إلى نفسي فأتوقع ما عاناه الآخرون مني ، من خطأي وصوابي ، من طريقتي في الطرح ، أو من نزقي وعجلتي حين تستبد بي فكرة ارى فيها الخير كل الخير ، في حين يعجز الآخرون – فيما يخيل إليّ – عن اللحاق بركبي أو الارتقاء إلى أفقي !!!!!
لا أظن أننا يجوز أن نضيق بنقد الآخرين ، وإن أتى أحيانا لاسعا لاذعا بل ومبرمجا يتحرك خلفه أشباه وأشباح ، يريدون توظيفه فيما يظن أحدنا أنه فعل استباقي يوفر لهم حماية مصالحهم أو يبعد عن أذهانهم شبح مفسدة تتمثل في وجودنا بالنسبة إليهم . لذا أتمنى دائما أن نخرج من معامع العمل العام في حالة من الصحة النفسية تسمح لنا بتفهم نوازع الناس وتصرفاتهم . فالناس منذ كانوا : باغ ومبغيٌّ عليه ومظلوم وظالم . ومالك عند الناس بعد كل تجربة هو من جنس ما لهم عندك .
وأعود إلى البعد الذي توقفت عنده في نص الكاتب العزيز لأجد فيه بعض ما يفسر الخلاف الذي عايشناه بين صاحب النص وبين مخالفيه الذين أخرج خلافه معهم مخرجا نفسيا اتهاميا مع أنه في التوكيد على حقيقة أن ( سورية أكبر من الثورة ومن النظام ) يشير إلى مرتكز موضوعي لسر هذا الاختلاف .
ومن باب التسليم بحق المخالف ربما من المفيد أن أقول أن هذه المقولة ( سورية أكبر من النظام ومن الثورة ) لا تمثل حقيقة مطلقة عند جميع الشركاء بل هي حقيقة تقديرية تصح في أذهان البعض وهي قابلة للنظر في أذهان آخرين ..
وهؤلاء الآخرون لا يرون أي شكل من أشكال الازدواج بين ( سورية الوطن والإنسان وبين الثورة ) . وهذه الرؤية كنقطة بداية جديرة بدفعنا إلى ما عانينا منه من بعض الاختلاف الذي ضج له الكثيرون بالشكوى .
وتقديرا لصاحب النص في دوافعه لتقدير هذه الحقيقة واحترازا من أن يفهم أن الاختلاف في تقريرها ناشئ عن لامبالاة بإنسان أو بعمران ؛ فإن الحقيقة التي يجب أن نؤكد عليها أنه ليس لأحد أن يسبق إلى دعوى الانفراد بالحرص على ما يمكن الحرص عليه ، ولا إلى إظهار التعاطف الأكبر مع آلام ومعاناة الناس . ( الأهل أهلي والديار دياري ) كما قال خير الدين الزركلي يوما . والمراهنة على كسر الإرادات بارتكاب المزيد من الفظاعات هي التي يعمل عليها بشار الأسد والمجتمع الدولي معه . ومع شعورنا جميعا بالألم الواحد ، وبضرورة وضع حد له بكل سبيل ؛ ربما تختلف طرائق رد الفعل على التحدي أو الاستجابة له …
في تصور المخالفين لمقولة ( أن سورية أكبر من الثورة …) أن سورية هي الثورة . وأن الوجود الحقيقي في آفاقه الإنسانية والحضارية والشرعية ليس هو الوجود البيولوجي الذي لا نستهين به بل لا نقبل أن نُحاصر فيه . وأن القتل ليس فقط بسفك دماء الناس وإنما هو أيضا بكسر إرادتهم وسلبهم حريتهم . وإنما الميت ميت الأحياء .
لقد انتظر شباب الثورة الذي لا يزال يعيش عنفوانها لهيبا يحرق الظلم والظالمين القائد الذي يوظف عنفوانه في تسهيل الطريق إلى النصر المبين وليس القائد الذي يصرف الوقت والجهد في الحلول المجربة اليائسة والميئسة ..
يمكن من وجهة نظر شخصية أن أعترف أن قوى المعارضة السياسية في سورية عجزت أن تقدم القيادة المكافئة القادرة على تحمل جزء من التبعة التي تحملها ثوار سورية طائعين مختارين وما زالوا ..
سورية بثورة أبنائها اليوم تكون أو لا تكون هذه هي المعادلة التي يجب أن يعمل عليها العاملون (( وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ )).