خرج أهالي نُبّل والزهراء في شمال غرب حلب يستقبلون جحافل الميليشيات “الشيعية” التي وصلت إلى مدينتهم وفكّت عنهم الحصار الذي لم يكن مطبقا في يوم واحد من الأيام…وزغردت للفاتحين النساء وألقين على الجنود المنوّعين الرز والسكاكر والعطور, واستضافت العائلات هناك أفراد الميليشيات في البيوت بولائم وعزائم …وكان في هذه الولائم للميليشيات العراقية أصنافا على الطريقة العراقية فكان البرياني والقوزي والتشريب والسمك المسكوف وغير ذلك مما يشتهون , وفي إحدى المرات شبع أحد العراقيين “النجباء” ودخل ليغسل يديه ونظر إلى فتاة حيّته من باب مطبخها بابتسامة مجاملة فهجم عليها جائعا وأمسك بجسدها يشده إليه ولمّا صرخت ودفعت ولمّت عليه من في البيت دفعها غاضبا مزمجرا وصاح : ” عود هاي جزاتنا بعد ما فكينا كربتشن ودافعنا عنتشن وتاركين أهلنا وعيالنا وهنا كلشي ماكو…ماكو تقدير …ماكو مَحنّة ….ماكو مُتعة….”
هكذا برمجت إيران ومن يواليها عقول الذين جُنّدوا وشُحنوا وأُدخلوا إلى سورية وفي أذهانهم أمر واحد ….إنه الاستباحة : يحملون استعدادا للاستباحة ووعودا بالاستباحة…
في تسجيلات عديدة لمعممين مرافقين للميليشيات يحضون المقاتلين ويرغبونهم ويقولون لهم صراحة” نحن من ساند الأسد ونحن من حقق الانتصارات وستكون سورية بأكملها لنا…و وعد أحدهم كل واحد قاتل, بقطعة أرض كبيرة في أي مكان يريده في سورية وقرض ضخم ومواطنة كاملة”.
لذلك أمام السوريين عشراتٍ من السنين العجاف إن بقي بشار الذي سيبقي معه إيران وأذيالها.
وذكرنا في المشاهد المحلية أسبابا رئيسية أصحابها الشبيحة وأزلام النظام و فصّلنا في دورهم في صنع السنين العجاف. ونفصّل هنا في دور إيران وأذيالها في صناعة السنين العجاف وزيادة وطأتها.
ولابد أن نوقن بداية أن كل برقع مذهبي أو سياسي تضعه إيران يكمن خلفه لعاب يسيل وشهوة طمع مادي تهيج.
إيران قبل الثورة السورية كانت ثالث أكبر مستثمر في سورية بعد السعودية وتركيا ولكن نفوذها الاقتصادي كان في تسارع أكبر أفقيا وعموديا ففي عام 2006 وقّعت إيران مع النظام السوري على خطط لتوسيع المشاريع الإيرانية بقيمة عشرة مليارات دولار للسنوات الست القادمة….
وبرز هذا التسارع جليا من خلال مقارنة الأرقام السورية المفرج عنها التي لخّصت وجود استثمارات إيرانية بخمسة مليارات ليرة خلال 15 سنة, من سنة 1991 إلى سنة 2005 ,وتضاعفت إلى 20مليار من عام 2006 إلى عام 2010 أي ما يعادل 12 ضعفا.
وكان التبادل التجاري دائما لصالح إيران وسجل عجزا قارب الملياري دولار لصالح إيران في الخمس سنوات الأخيرة قبل الثورة السورية حسب إدارة الجمارك الإيرانية.
وصدّرت إيران في عام 2010لوحده خدمات فنية وهندسية إلى سورية بقيمة جاوزت ال2.2مليار دولار, وتأسس في نفس السنة بنك إيراني سوري للصادرات استحوذ الجانب الإيراني على 60% من رأسماله.
وبأرقام متزايدة هائلة المعلن منها قليل جدا كان من الواضح و البدهي أن إيران تمضي قدما في طريق علاقات تجارية واقتصادية ابتلاعية مع سورية ضمن كتلة اقتصادية إيرانية شرق متوسطية تضم إيران وسورية ولبنان والأردن وقد أشار “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” إلى ذلك عام 2012 بعبارات أقل صراحة.
وفي أعوام الثورة الخمسة قدمت إيران ومنحت وأقرضت وأنفقت لدعم نظام بشار الأسد ما يقارب ال 50 مليار دولار.
فحسب مدير مركز فارس لدراسات شرق البحر المتوسط في جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس نعيم شهادي يقول إن إيران قدمت مساعدات عسكرية واقتصادية الى النظام السوري بلغت قيمتها ما يقارب ال 15مليار دولار في عامي 2012 و2013، فيما الخبير ستيفن هايدمان الذي كان حتى الآونة الأخيرة نائب رئيس قسم الأبحاث التطبيقية في النزاعات التابع لـ “معهد السلام” في الولايات المتحدة، يقدر المبلغ ب20 مليار دولار للعامين المذكورين …وكل المتابعين يجزمون بزيادة الانفاق الإيراني على نظام بشار الأسد في عامي 2014,2015ويشمل تجنيد عشرات الألوف المضافة من المرتزقة العراقيين والأفغان إضافة إلى التعويضات الهائلة لمقاتلي الحرس الثوري الإيراني وذويي قتلاهم الذين سقطوا في سورية بشكل متزايد.
و هناك إشارات عديدة على تمويل إيران للتدخل العسكري الروسي مع أرباحه ومصاريف وسطائه.
ولكن هذه التقديرات لا تعتمد على المعلن الرسمي ولا شبه الرسمي من الطرفين الإيراني والسوري وكل ما أعلن كان:
– قرض بمليار دولار في بداية عام 2013 .
– قرض بقيمة 3.6 مليار دولار في شهر آب من عام 2013.
– مليار دولار أُعلن عنه في شهر أيار 2015.
– إعلان عن توقيع النظام مع إيران في نيسان عام 2012 على اتفاقية تجارة حرة لخفض الحواجز الجمركية بحيث لا تجاوز ال 4 % ,ثم صدر إعفاء تام عام 2014 لواردات القطاع العام الإيراني إلى سوريا… واتفاقيات أخرى غير مفصلة أبرمت في عام 2015 في قطاعات : الكهرباء والصناعة والنفط. ودشن النظام خطين بحريين مباشرين تجاريين وعسكريين مع إيران.
هذا ما أُعلن عنه وكان من الواضح أن المعلن لا يقارب الأرقام الحقيقية وأن هناك “تقية اقتصادية ” عسَّرت متابعة المهتمين والمراقبين وأخفت الأرقام الحقيقية لأغراض وأهداف خطيرة….وبسبب سوء التنسيق انفلت تطابق الأرقام بين المتواطئين فقد أعلنت مؤسسة التنمية التجارية الإيرانية عن حجم التبادل التجاري مع سورية وباتجاه واحد فذكرت أنه بلغ عام 2014 “879” مليون دولار ولم ينتبه إلى ذلك علي كاظميني الملحق التجاري بالسفارة الإيرانية بدمشق فذكر رقم مليار دولار عن نفس العام أي بفارق “121”مليون دولار…. ودفع ثمن جهله باللغة الإيرانية معاون وزير الاقتصاد السوري عبد السلام علي الذي أعلن أن الواردات من إيران بلغت في عام 2014 مبلغ “2.6”مليار دولار ففوجئ المتابعون وتعلموا شيئا عن “التقية الاقتصادية الإيرانية الملغومة”.
وازدادوا علما حين أعلن موقع “بلومبرغ” الاقتصادي العالمي منذ فترة وجيزة أن إيران تصدر 60الف برميل من النفط يوميا إلى سورية بسعر وسطي قدره “59”دولار طيلة شهور عام 2015 عبر ثلاث ناقلات إلى ميناء بانياس وهذا يقارب ال”3.6″مليون دولار في اليوم أي ما يجاوز”1.31″مليار دولار سنويا في مجال استهلاك النفط فقط.
ومن المؤكد أن نظام بشار الأسد لا يدفع مقابل هذه الواردات مالاً, بل هي ديون متراكمة متزايدة… وبعض هذه الديون يُسدد ببيع عقارات وممتلكات تابعة للدولة وأخرى تابعة للوقف الإسلامي في دمشق وغيرها, إضافة إلى تمويل مشاريع دينية “شيعية” بتوسيع وترميم مزارات تعتبرها إيران شيعية وبناء حسينيات في عشرات القرى والمدن, وهناك مشروع بناء السفارة الإيرانية الجديدة في دمشق على أرض شاسعة في منطقة “المزّة”….سفارة ستنافس السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد ….
كل ذلك أصبح يُمثل امتدادا للسيادة الإيرانية في سوريا تجاريا وديمغرافيا.
وفي كانون الأول من سنة 2015 طالبت إيران ب”ضمانات سيادية “بقيمة 20 مليار دولار لتغطية جزء من القروض والخطوط الائتمانية السابقة وهذا يعني الالتزام الرسمي بالسداد مستقبلا من خزينة الدولة أو الأملاك التابعة لها.
واقترح مقربون من حسن روحاني الضغط لإصدار تشريع خاص من مجلس الشعب السوري يضمن مصالح إيران في السنوات المقبلة.
وتنتظر إيران السنوات القادمة لتمد خط الغاز الإيراني وقد وُقع عقده منذ سنوات لتوصل الغاز إلى شواطئ سورية في طريقه إلى أوربا الشرقية.
وتنتظر إعادة الإعمار لتأخذ حصة الأسد وهي التي تُصنف كأكبر منتج للإسمنت والحديد في الشرق الأوسط ولها سوابق عديدة في تصدير الحديد المغشوش إلى جيرانها…وقد استلمت إيران تصريحات وتأكيدات عديدة في أنّ لها الحصة الأكبر في إعادة الإعمار.
إيران تنتظر توفير ملايين الوظائف في سورية للإيرانيين الذين بلغت نسبة البطالة بين الشباب عندها 17% وبين الفتيات 39% وستحرص على تشغيل الشباب والفتيات في سورية لأسباب اقتصادية وديمغرافية.
إيران بلغ العجز التجاري لصالحها في العراق الذي تسيطر عليه أكثر من عشرة مليارات دولار سنويا ولن تقبل بضعفه في سورية.
إيران في سورية لها سلطة و ستُقدم مواطنيها وستُوطِّنهم وتعطيهم ثم ستوطن الشيعة من سائر البلدان وتعطيهم, ولن يكون للعلويين مواطنة إلا من الدرجة الثالثة ,وستثق إيران فقط بمن والى الولي الفقيه ولاءا دفع أتباعها من العراقيين الذين استلموا الحكم في العراق يطالبون بإقرار تعويضات ضخمة لإيران عن حربها مع العراق وأن يسدد العراق لإيران تعويضاتها قبل أي أمر آخر.
إيران تشارك بقوة في صنع السنين العجاف القادمة على السوريين إن بقي بشار وأبقاها ولن تقبل إيران برحيل بشار الأسد و تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات في سوريا أبدا فذلك يطيح بمصالحها الاقتصادية والتوسعية ويضع غصّة هائلة في طريق ابتلاعها لبلد التين والزيتون .