تابع الفاجعةَ هذا اليوم على شاشات الفضائيات آلافُ الناس أو ملايين، ثم قالوا: يا حسرتا، ما بيدنا من حيلة؛ لا نملك إلا الدموع والدعاء!
أيها السادة: وفّروا الدموع ليوم آخر، فإنها لا تردّ الروحَ لميت ولا تكشف الغمّة عن الأحياء، أما الدعاء فدعوا عنكم مقالة العاجزين. إن الدعاء مطلوب في كل وقت، ولكنه حجّةٌ على صاحبه إذا لم يرافقه عمل واجتهاد، ولو كان الله يجيب الكسالى القاعدين لما اجتهد الأنبياء بالعمل ثم توجهوا إليه بالدعاء.
نعم، ليس بيد أحد حيلة فيما حصل بعدما حصل، ولكن الذي حصل حلقة في سلسلة سبقتها حلقات وستأتي بعدها حلقات، فلا تفكروا فيها ولكن فكروا في الكوارث الآتيات. لا يصرفْ أحداً العجزُ الآنيّ عن العمل المُثمر للمستقبل. إن يكن الذين استُشهدوا اليوم بالهجوم الكيماوي الآثم ألفاً، رحم الله الشهداء، فإن الذين بَقوا من بعدهم ألف ألف، وهم بأشد الحاجة إلى المساعدة.
في الغوطتين الشرقية والغربية وفي أحياء شرق دمشق وجنوبها إخوة لكم وأخوات وأبناء لكم وبنات لم يشمّوا رائحة الخبز منذ ثلاثة أشهر! في تلك المناطق يعيش أكثر من مليون محاصَر لم يصلهم منذ شهور طويلة إلا أقل القليل من القوت وضرورات الحياة، فإذا عجز الواحد منّا عن إحياء مَوتى اليوم المنصرم فإنه ليس بعاجز عن استحياء موتى الغد القادم، ومَن ضرب اليوم كفاً بكف وقال “ما بيدي شيء” فإنه يستطيع أن يفعل اليوم ثم يقول غداً: الحمد لله أني فعلت وقدمت وأنقذت أرواحاً بريئة، الحمد لله أني كنت من المنفقين ولم أكن من المُمْسكين.
في تلك الأرض الطيبة مدنيّون صامدون وفيها مجاهدون مرابطون، هؤلاء يحتاجون إلى الغذاء والدواء والكساء وأولئك إلى السلاح والذخيرة والعتاد، وكل ذلك متوفر في الأسواق -داخل سوريا وخارجها- ولكنه يحتاج إلى مال. كيفما نظرنا إلى المسألة وجدنا أن عنق الزجاجة هو المال الذي يُشترى به كل شيء، فليس غريباً -إذن- أنْ قدّم المولى عَزّ وتبارك الجهادَ بالمال على الجهاد بالنفس في كل موضع في القرآن، لأنه لا جهادَ بلا مال.
اليوم قدّم مئاتُ الآباء والأمهات في غوطتَي دمشق أولادَهم قرابين للثورة. تخيل يا عبد الله: كم قيمةُ ولدك عندك؟ بكم تشتري حياته لو حُكم عليه بالموت لا قدّر الله؟ إنك تشتريه بالملايين، ولو أنك دفعت اليوم معشار تلك القيمة لاستحييت بها نفوساً كراماً مهددة بالفناء. اللهمّ إني قد بلغت.