في خضم أي حوار سياسي يسكتك أو يفحمك المحاور بقوله . السياسة مصالح . وأنتم ما زلتم غارقين في وهم الأخلاق . الأخلاق كذبة كبرى يخدع الضعفاء بها أنفسهم …
وفي سياق آخر حين يصدر منك أو من أي جماعة إنسانية اعتراض على عمليات تشويه ، القيم أو الأديان أو المذاهب أو أنماط السلوك ، أو شيطنة الآخر المختلف : إنسانيا أو دينيا أو مذهبيا أو قوميا وتحطيمه ؛ يجيبك البعض بالألسنة الحداد بالحديث عن شعارات حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإبداع …
وللاختصار والإيجاز لسنا ضد أي شكل من أشكال الحرية المسئولة الصادقة . والصدق معيار والمسئولية مطلب . ويجب أن يتحول من مطلب رومانسي حالم إلى مطلب قانوني ، ليس على الصعد الوطنية المحلية فقط بل على الصعيد الدولي أيضا ..
أزعم أن إعطاء الإنسان نفسه الحق في تشويه الآخرين والمخالفين ، تشويه العقائد والمبادئ والحضارات أو تحطيم الأقوام والأعراق ، إنّ تحطيم الإنسان معنويا لهو أخطر من كل ما نص عليه القانون الدولي من حروب إبادة أو جرائم ضد الإنسانية .
في معيارنا القيمي الأخلاقي الإسلامي الكذب هو كل الشر ، وهو كل الراذئل وهو الجريمة التي تكبر كل الجرائم . حتى الشرك بالله الظلم الوحيد الذي لا يغفر في العقيدة الإسلامية ، هو نوع من الكذب خاص على الله (( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا )) .
إن استكمال قيمة الحرية المسئولة أن تخول دائما المتضررين من سوء استخدامها الحق الإنساني والقضائي في محكمة دولية جادة يأخذ على أيدي الوالغين في أعراض الناس من سوء استخدام هذه الحرية ..
لقد شرع – الرحمن الرحيم – حد القذف صيانة لأعراض الناس من ولوغ الوالغين فيها . ومنبهة على القيمة المعنوية للحقيقة الإنسانية متمثلة في أشخاص أصحابها . وإن لنا في عصر اتسعت أو تفاوتت قيم عاره الاجتماعي والسياسي أن نمد مفهوم الجريمة ومفهوم العقاب لنصون وجود المجتمعات والجماعات والأفراد ولنحمي مكانتهم .
وفي عصر تكثر فيه الدول ( الحكومات والمجتمعات ) من التضجر والتسخط من انتشار قوى الإرهاب وامتداد مخالبه حول العالم ، بما يؤذي ويدمي ويشين ، فإن لنا أن ننبه إلى أن الكذب على الناس والإصرار على تشويه عقائدهم ومبادئهم وثقافتهم وتاريخهم وقواعدهم وأفكارهم هو مغذ مباشر وأساسي من مغذيات الإرهاب . إن بعض الناس لا يتسع صدره ، ولا ينطلق لسانه فيؤثر الرد على الإفك والافتراء بقول الأول :
تلق ذباب السيف عني فإني امرؤ … إذا هوجيت : لست بشاعر
إن هذا القول لا ينقض الحق في النقد والحق في التعبير والحق في أي جدل جاد حول كل الحقائق الكبرى أو الصغرى . إنه قيد يجب أن يفرض على ما يظنه البعض حقهم ( الغوبلزي ) النازي الأصيل في الكذب والافتراء والتشويه .
إن متابعة بعض الكذب الذي يجري هذه الأيام على أرض مصر وعلى أرض سورية يفسر معنى النذارة الحقيقية التي يحملها هذا المقال ..
حين يقول وزير الإعلام في سورية عن جريمة إبادة بحجم جريمة غوطة دمشق راح ضحيتها ألف وخمس مائة إنسان : إنها فبركة معدة مسبقا تزامنا مع وصول المفتشين الدوليين ..
وحين يتابع رئيس هذا الوزير – بلاحياء – في مقابلة مع لوفيغارو الفرنسية – أن كل ما يقال عن الجريمة في الغوطة ( الاتهامات كلها تبنى على ادعاءات الإرهابيين وصور وفيديوهات عشوائية وضعت على الانترنت ..)
وحين تقول مستشارة الرئيس نفسه على قنوات فضائية دولية عن أطفال الغوطة : ( إنهم أطفال اختطفهم الإرهابيون من قرى الساحل وقتلوهم في الغوطة ..) فتكذب وتتهم الأبرياء وتبرأ القتلة ، وتنشر الطائفية وتعزز الكراهية …؛
حين يستمع المجتمع الإنساني إلى كل هذا الذي يقال على ألسنة هؤلاء وألسنة الروس والإيرانيين وألسنة الكذابين حول العالم من كل ملة وعرق ولون يجب أن يدرك معنا أن ريح الكذب أخطر من ريح الكيماوي ، وأنه يجب أن يبادر إلى الأخذ على ألسنة الكذابين قبل الأخذ على أيدي السفاحين . وأن جريمة الكذب الوقح الصريح القبيح لا تحتاج إلى لجان تفتيش . توثيق وتحقيق ….. ثم (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ )).