هذه رسالة يكتبها مُحبٌّ لكم يريد بكم الخير، ومحب لسوريا يتمنى لها السلامة، ومحب لأهلها يرجو لهم النصر الكبير والفرج القريب.
إني لأعلم أن في الكتائب جماعات هي كالذهب الخالص، ولكن فيها أيضاً مَن اعتراه نقص ووقع منه خطأ وتقصير. وأعلم أن في القادة مَن بلغوا الغاية في التقوى والصلاح، ولكن فيهم أيضاً من غَرّته الدنيا وأفسده السلطان. فهذه كلمات لا تضر قراءتُها الصالحين والذاكرين، وقد ينتفع بها فريق من الناسين والغافلين.
يا قادة الكتائب: لقد حَمّلكم الله أمانةً لم يحمّلها غيرَكم، وإنه لناظر كيف تحافظون عليها وماذا أنتم بها صانعون. وإنكم عليه غداً واردون، وإنكم عنها مسؤولون، فلا تستطيلوا المهلةَ فتنسوا الحساب. ولا تحسبوا القيادة غُنماً غنمتموه، إنما هي غرم غرمتموه، وإنها مسؤولية يتبعها سؤال، وإنها يوم القيامة ندامة إلا لمن قام بحقها وأخلص في حملها واستقصى الصواب.
لا يقدمنّ أحدٌ منكم على الله بغلول غَلّه وغنائم استأثر بها من دون جماعة المسلمين، أو بظُلامات واعتداءات سوغتها له قوة سلاحه وسلطانه، ولا يكن أحد منكم سبباً في تفرّق كلمة المجاهدين وعائقاً يعوق الوحدة وجمع الصفوف.
لا يقفنّ أحدٌ منكم غداً في محكمة الديّان وفي رقبته شهداء تسبب بهم جَهلُه في القيادة وقلّة حيلته، أو شهداء تسبب بهم تخاذله عن نصرة إخوانه؛ من لم يكن أهلاً للقيادة فليتركها لغيره، ومن كان بجواره إخوة مجاهدون يحتاجون إلى الدعم والمساعدة -وهو قادر على نصرتهم- فليمدّهم بالنجدة قبل فوات الأوان.
تكرم عليّ بعض الأفاضل ذات مرة فقالوا: سنرشحك لمناصب عليا بعد التحرير. قلت: اقذفوني في النار خير لي من ذلك. إن القيادة مسؤولية همُّها كبير وحسابُها عسير، وإني لا أحبها لنفسي ولا أحبها لمن أحب. يكفيني أن أقبل على ربي يوم القيامة وفي رقبتي زوجة وأولاد، ما حاجتي بالحمل الثقيل وأنا لم أضمن النجاة بهذا الحمل القليل؟
تذكر أنك مقبل على ربك يوم القيامة -يا أيها القائد- وأنه سائلك، فخير لك أن تكون في ذلك اليوم العسير مظلوماً ولا تكون ظالماً، وإن كنت ظالماً فلا تنسَ أن تعد منذ اليوم جوابَ كل سؤال.
إنك اليوم قوي وفي يدك سلاح وتحت أمرك رجال، والقوة تُطغي إذا لم يلجمها إيمان صادق ويقين بما عند الله من نعيم وعذاب. ألا لا تحملنّك قوتك على ظلم الضعيف فإن له رباً يُنصفه، فليست المعركة بين الظالم والمظلوم أبداً، إنها -على التحقيق- معركة بين الظالم ورب المظلوم، فإما أن يظن الظالم أن به قدرة على حرب الله، أو لينزع يداً من ظلم ويردّ الحق إلى أصحابه.
إن القوة التي يملكها القادة اليوم قوة مؤقتة. كم سيبقى هذا الوضع الشاذ في سوريا، حيث يحمل أفرادُ الناس السلاحَ ويكوّنون الكتائب والجماعات؟ قد يستمر شهوراً أو سنة أو سنتين. وماذا بعد؟ سينهار النظام وينشأ في سوريا جيش وطني حر جديد يجمع السلاح من أيدي الناس، وسوف يعود كل واحد إلى عمله وحياته التي كان فيها قبل الثورة.
وسرعان ما يكتشف الجميع أن القوة الطارئة لم تكن سوى وهم صغير، حلم سرعان ما سينقضي كما تنقضي الحياة نفسها بخيرها وشرها. وما الحياة؟ إن تكن قوة السلاح وهماً صغيراً فالحياة هي الوهم الكبير، بكل ما فيها من مُلك وسلطان وقوة وجاه وهيلمان… كله إلى زوال، ولا تبقى إلا الحقيقة الكبرى، الآخرة الباقية التي سترث هذه الدنيا الفانية بما فيها وما عليها، فمَن كان عاقلاً لم يَبِع بالحياة الباقية حياةً فانية ولم يستبدل بالحقائق الأوهام.
يا قادة الكتائب: اذكروا يوماً تَرِدون فيه على الله بلا سلاح ولا أعوان، يوماً تجتمع فيه الخليقة في حضرة ملك الملوك، الملك الديّان، يوماً يصطفّ الناس فيه فُرادى عُزْلاً عراة عانِيةً وجوهُهم للحي القيوم. ذلك يومُ التلاق، يومٌ يلتقي فيه كل إنسان بعمله ويلتقي كل مظلوم بظالمه. ذلك يومُ الحساب، يومٌ لا تخفى فيه على الديّان خافية. يومٌ ينادي فيه المنادي: لمَن الملك اليوم؟ فيأتي الجواب الحاسم المزلزل: لله الواحد القهار.
كلنا سنقف بين يدي الملك في ذلك اليوم العصيب. ويل يومئذ للظالمين، وطوبى لمن خَفّ حمله وهان سؤاله، طوبى لأمير عادل، طوبى للضعفاء والمساكين.