تبين أن قصة جهاد النكاح ليست سوى أكذوبة أطلقها أبالسة المخابرات السورية، لطعن وتشويه فصائل مقاومة النظام هناك. وقد تولت أبواق النظام الترويج للمقولة، التي أحسب أنها نجحت بصورة نسبية في الحط من شأن كل القوى الوطنية التي تخوض معركة الدفاع عن كرامة الشعب السوري، وأسهم في الترويج لتلك الفكرة الشيطانية كثيرون من خصوم التيار الإسلامي خارج سوريا، إذ التقطوها ووظفوها في معاركهم الداخلية خصوصا في مصر وتونس، حتى تعددت الكتابات التي لم تر في ممارسات فصائل ذلك التيار بل في المقاومة السورية ذاتها غير حكاية جهاد النكاح، بل إن قيمة الجهاد ذاتها بكل جلالها أهينت وابتذلت بحيث لم تعد ترى إلا من هذه الزاوية، وكأن الجهاد صار غطاء لارتكاب الفاحشة وإشاعتها.
في حين هللت بعض وسائل الإعلام العربية للحكاية، فإن الإعلام الفرنسي هو الذي فضح الأكذوبة فيها. وهذا ما فعلته صحيفة لوموند وقناة فرنسا 24. فقد نشرت لوموند في عدد أول أكتوبر الحالي تقريرا أكد أن جهاد النكاح لا وجود له في سوريا وأن إعلام النظام السوري هو الذي اخترع الفكرة في إطار حملته على الثوار، الذين كان قد وصفهم في السابق بالمتسللين من الخارج لنزع صفة الانتماء الوطني عنهم. وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك المفهوم ظهر إلى العلن في المرة الأولى في أواخر عام 2012 عبر قناة الجديد اللبنانية الموالية لدمشق. وعلى الفور تم استنساخه من قبل المنابر الإعلامية الموالية للرئيس الأسد. وكان الهدف من إطلاق الكذبة ليس فقط تشويه صورة مقاومة النظام ولكن أيضا صدم الرأي العام الغربي. ولإعطاء المصداقية للفكرة فإنها بنيت على فتوى لأحد الدعاة السعوديين المعروفين (الشيخ محمد العريفي) إلا أن النفي السريع الذي أصدره الداعية دفع المروجين للفتوى إلى نسبتها إلى مصدر مجهول تعذر إثباته.
أضافت الصحيفة الفرنسية أن مسألة جهاد النكاح يتوافر فيه عنصر الإثارة الذي تبحث عنه وسائل الإعلام، وهو ما يفسر كثرة تداولها في الصحف والبرامج التلفزيونية رغم ثبوت عدم وجود أي فتوى تتطرق إلى الموضوع أو تجيزه. وأشارت في هذا الصدد إلى أن جميع أطراف المعارضة السورية، من الائتلاف الوطني السوري إلى الجيش الحر وجبهة النصرة، رفضوا الفكرة وشددوا على أنه لا وجود لها بين الثوار.
تطرقت الصحيفة إلى تصريحات وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو الذي تحدث عن ذهاب تونسيات إلى سوريا للمشاركة في ذلك النوع من الجهاد، وقالت إن الوزير لم يعط أية أرقام عن عدد هؤلاء. كما أنه لا توجد شهادة من أي فتاوى تونسية توثق الخبر، قبل أو بعد التصريحات التي أطلقها.
قناة فرانس 24 خلصت إلى ذات النتيجة، وذكرت أن وزير الداخلية التونسي الذي أثار الموضوع على خلاف مع حركة النهضة. وأشارت إلى أنها استطلعت الدوائر وثيقة الصلة بالمقاومة السورية التي نفت القصة من أساسها ونسبتها بدورها إلى المخابرات السورية. ونقلت عن أحد المراقبين الذين أوفدتهم الجامعة العربية إلى سوريا ـ السيد أنور مالك ـ قوله إن قصة جهاد النكاح أطلقتها المخابرات السورية. وأضاف تقرير القناة معلومتين مهمتين الأولى أن الصور التي ظهرت لفتيات تونسيات نسب إليهن الاستجابة لتلك الفتوى مختلقة وغير صحيحة لأنها لفتيات شيشانيات التقطت لهن أثناء فترة الاشتباك مع السلطة الروسية. الثانية أن صحفية في قناة الميادين اللبنانية القريبة من النظام السوري اسمها مليكة جباري قدمت استقالتها من القناة لأنها أُجبرت على فبركة القصة وتلفيقها وبثها على شاشة القناة.
إن الشبيحة في سوريا ليسوا فقط أولئك الذين ينقضّون على المعارضين ويفتكون بهم على الأرض، لأن لهم نشاطا آخر يمارسونه فى الفضاء الإعلامي، من خلال إطلاق مختلف القذائف الملوثة والمسمومة من قبيل القصة التي بين أيدينا، التي تفتك بالخصم وتسعى إلى اغتياله وتدميره أدبيا ومعنويا. إلا أننا ينبغي أن نعترف بأن نشاط شبيحة الإعلام أكبر وأوسع نطاقا، ليس فقط لأن مشاهدي التلفزيون أكبر بكثير من قراء الصحف والكتب، ولكن أيضا لأن ذلك الصنف من الشبيحة ليسوا موجودين في سوريا فحسب، ولكنهم لهم نظائرهم في مختلف أنحاء العالم العربي، وقد انجذبوا إلى ممارسة المهنة بعدما أدركوا أن الإعلام صار في زماننا ضمن أسلحة الدمار الشامل، التي تفسد ضمائر الناس وتقتل أرواحهم وتجردهم من إنسانيتهم، في حين يظلون أحياء يمشون على الأرض.