تتكشف يوما بعد يوم طبيعة المؤامرة الكبرى على الثورة السورية وأهدافها ودماء أبنائها . ولقد تمثلت المؤامرة الدولية منذ الأيام الأولى للثورة في لامبالاة مطلقة من الذين يدّعون صداقة الشعب السوري بمظلومية هذا الشعب وحقوقه الإنسانية قبل السياسية من جهة وفي تمسك طرف آخر من القوى الدولية ( روسية والصين وإيران ) بدعم طرف الجريمة بكل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي .
إن جنيف اثنين الذي يدعون إليه هو مبادرة روسية إيرانية خالصة ونتحدى كل من يزعمون أن المؤتمر ( دولي ) أن يدلونا على بند واحد في من بنوده اقترحه أو فرضه من لا يرى له على الساحة السورية لا كلبا أبيض ولا كلبا أسود ..
وها نحن اليوم ندخل الحلقة الأخيرة من حلقات المؤامرة في تمييع إرادة الشعب السوري وسط بحر من الأدعياء المعارضين . فبعد أن تمادت الأطراف المتآمرة على الثورة السورية في الالتفاف على إرادة الشعب السوري من خلال عمليات الفك والتركيب والإضافة والحذف في بنية المجلس الوطني ، ثم الائتلاف الوطني بدعوى أنه سيكون الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري ، تتجه النية الروسية اليوم – والروس هم أصحاب القرار الأول والأخير في كل ما يجري – لإضافات كيانات ومعارضات وهمية مزعومة، لتكون معبرا آخر لتشتيت رأي الثوار ، ومصادرة مواقفهم ، واستنبات معارضات بديلة تقوم بدورها للموافقة على ما لا يوافق عليه أصحاب القضية الحقيقيون ..
إن التنازل الذي عبر عنه السيد الجربا في حديثه للجامعة العربية عن وفد للمعارضة موحد أخطر من أن يمرره البعض عرضا . إن العودة إلى فكرة تشكيل وفد ( موحد ) للمعارضة يقتضي من الائتلاف الوطني أن يستأنف لعبة المحاصصات مع كل من يدعي أنه معارض ..
وهذا سيعني أن القوى الحقيقة المعبرة عن السواد العام للشعب السوري المؤتلفة في الائتلاف قد ارتضت أن تذيب رأيها في بحر محيط تتضارب فيه الأهواء ، وتعصف به المؤامرات .
نعتقد أن الذهاب إلى جنيف في الإطار المطروح حتى الآن لم يعد موضع نظر عند العقلاء الصادقين . وهذه حقيقة خطيرة تفرض نفسها بقسوة على عقول السوريين وقلوبهم . لقد كنا نتمنى أن يكون في جنيف مخرج أو بعض مخرج من المعاناة التي يعيشها الشعب السوري . نقول بعض مخرج بوعي لما نقول . الحقيقة الفاجعة تؤكد أن القرار الدولي المجمع عليه يرفض الاعتراف بآدمية الأكثرية الكاثرة من السوريين ، ولا بأي حق من حقوقهم الإنسانية أو المدنية أو السياسية ..
إن القرار الدولي كما يتضح من معالمه اليوم أنهم سيحاولون من خلال جنيف المؤامرة الكبرى أن يعيدوا الأكثرية الكاثرة من الشعب السوري إلى المكان الذي يقترحونه لهم : عبيدا أذلاء خائفين مستباحين تحت سطوة عصابة من مجرمي الحرب المسكوت عن جرائمهم ممن يسمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري والمدعومين من الروس ومن الإيرانيين وبلا حدود . عشرون ألف مفقود في سورية منذ ثلث قرن هل عبئ بمظلوميتهم أحد ؟! إلى المقابر الجماعية ، والقبور بلا عنوان ، وإلى أعماق المنافي هذا الذي سيقودنا إليه جنيف الروسي الإيراني بالمباركة الدولية من جديد .
إن الذين سيذهبون إلى جنيف المطروح سيتحملون المسئولية التاريخية عن قرارهم . بأنهم قد قبلوا أن يكونوا الجسر الذي تعبر عليه المؤامرة ، هذا إن لم يعتبروا جزء منها .
إن هذه الحقيقة الصارخة والمؤلمة والفاجعة لا يجوز أن تكون مدخلا لليأس والاستسلام . بل يجب أن تكون مدخلا مباشرا ليسقط العقلاء فقه الانتظار . انتظار الآخر الذي : يقدم لهم .. أو يصنع لهم .. أو ينتصر لهم .. أو يساعدهم ..
على العقلاء الصادقين أن يكون ردهم على الدعوة إلى جنيف مبادرة جادة للبحث عن البديل الممكن والجاد والمجدي . والبديل على صعوبته موجود وقريب ، وسيكون بمتناول العقل الجمعي للسوريين عندما يفكرون ويجدون . لسنا أول شعب يثور ، ولسنا أول شعب يجمع العالم على خذلانه . تجربتنا المرة هي الأقرب إلى تجربة إخواننا الفلسطينيين . قضيتنا واحدة . وعدونا بعضه من بعض . ومصيرنا واحد وشعارنا وشعارهم وإنها لثورة حتى النصر .
أعطوا الثورة حقها تعطكم نصرها