ماذا أصاب ثورتنا العظيمة؟ ما هذه الأمراضُ التي ضربتها حتى كادت تورث الناسَ اليأس من سلامتها وتُفقدهم الأمل في تحقيق الانتصار؟ لا أقصد ما يأتينا من قِبَل العدو من نار ودمار، فما ظننّا يوماً أن يقذفنا عدوُّنا بالأوراد والأزهار، إنما أقصد ما يصدر عن أبناء الثورة من أخطاء وتجاوزات: تنازع الكتائب واختلاف الثوار، وتسلط بعضها على المدنيين الضعفاء وفرض ما تحمله من تصورات وأفكار، وتحول بعضها إلى عصابات ترعب الناس وتسلبهم الحرية والأمان.
كل ذلك دفع بعض الناس -بل كثيراً من الناس- إلى اليأس، فصرنا نسمع كلمات بدأت همساً خافتاً ثم ارتفعت بها الأصوات، وشكاوى تَصْدر عن قوم كانوا قلّة وهم اليوم كثير، يقولون: “لقد فشلت الثورة وآن أوان الاستسلام”. أحقٌّ ما يقولون؟
لنكن صادقين مع أنفسنا: إن الثورة تعيش مرحلة حرجة، نعم، ولكنْ هل يصحّ أن نحكم عليها بالفشل؟ إننا نعترف بأنها أصبتها العلل والأمراض، ولكن هل المرض موت؟ متى كان المَرْضى والمَوْتى سواء؟ المريض يُداوَى يُبحَث له عن العلاج، أما الميت فإنه يُلَفّ بالأكفان ويُدفَن في التراب.
ثورتنا تشبه إنساناً وُلد صغيراً ضعيفاً، ثم شَبّ وقَوِي واستطال حتى بلغ مبلغ الرجال، فكان أعجوبةً في القوة والخُلُق والجمال، ثم أصابه مرض صعب يشبه المرض العُضال. فيا أيها الأحرار: ليتخيل كل واحد منكم أن هذا الإنسان هو أبوه أو أخوه أو أعزّ الناس عليه وأقربهم إليه: إذا أصابه المرض، أكان طارحَه وتاركَه ليموت حَتْفَ أنفه، أم أنه سيبذل في علاجه غايةَ الجهد وينفق كرائم الأموال؟
هذه ثورتنا؛ سقيناها بالدم والدموع وغذّيناها بالصبر على الآلام والأحزان، فهل نتخلى عنها ونستسلم للعدو لأنها أصابتها بعض الأمراض، أم ننهض لعلاجها ونبذل في العلاج الجهد الجهيد وشعارُنا: لن تموت الثورة، لن نسمح لها بأن تموت وفينا بقية من حياة، وسوف نجتهد في إصلاح عيوبها مهما كلّفنا ذلك من جهد وتضحيات؟