بقلم: أبو إبراهيم الحلبي
الأخبار عن حلب مما يدمي العين ويذيب القلب [ إن كان بقي هناك نتفة من إحساس أو ومضة من شعور أو نثار من ضمير ] ؛ نريد سرد الحقائق وإن كانت موجعة وليس مستحسنًا دفن الرأس بالتراب مع لذيذ الأحلام ؛ النِّظام قد استشرس ووضع جُلَّ قوته لاستعادة حلب على مراحل وقد نجح حتى الآن ، مع إخفاق ما يسمَّى بكتائب وألوية وجيوش [ الحر ] في صدِّه أو منعه من تحقيق شيءٍ من أهدافه ، بلهَ عن [ تحرير ] ما تبقَّى من حلب الأسيرة
أرى تحت الرَّماد وميض جمر فأحرِ بأن يكون لها ضرامُ
فقلتُ من التَّعجُّب ليت شِعري أأيقاظٌ أميَّة أم نيامُ
فإن يقظت فذاك بقاء مُلْكٍ وإن رقدت فإني لا أُلامُ
فغرّى عن رِحالك ثم قولي على الإسلام والعُرْب السلامُ
في الأيَّام الأولى لدخول كتائب الحر إلى مدينة حلب [ الشهر السابع / 2012 ] استبشرنا بما كنَّا نسمع من انتصارات الحر في مختلف المناطق ، وفرحنا كما يفرح كلُّ مظلومٍ بقرب الخلاص من ظالمه ، وبدا لنا أنَّ التَّحرير لكافَّة المدينة ليس سوى مسألة وقت قد يطول أيَّامَّا أو أسابيع ، لذا أغمضنا العين عن كل إساءةٍ تصدر عن [ الجيش الحرِّ ] ، لأننا نعلم أنَّ مكوِّنات الجيش الحرِّ هي من هذا الشعب الذي تربَّى على عين [ الأسد وبعثه ] بما في تربيته من كفر وفجور ولامبالاةٍ بشرع الله تعالى أو مراعاةٍ لحرمات الناس ، لكنَّ الأشهر بدأت تترى ثمَّ بالسنة تمضي وإذا بالقوم قد استكانوا لما حقَّقوا من إنجازات ، وبدأ الكثير منهم يحصد ثمار ما تعب من أجله !!! فسرق ونهب ودمَّر ما لم يستطع نقله حتَّى بطروا بما وصل إليهم من ملايين هي من كدِّ الشَّعب الذي زعموا أنَّهم ما جاؤوا إلا لتحريره ؛ وبدأ النِّظام يصحو من فجأة ثورة حلب ، وصار يحصِّن مراكز قواه حتَّى أمست تلك المراكز قلاعًا يصعب النَّيل منها ، والدَّاهية العظمى أنَّ بعض هذه القلاع تشرف على المناطق المحرَّرة [ قلعة حلب – فرع المداهمة في الميدان – ثكنة هنانو … ] فضلاً عن المراكز الأمنيَّة والعسكريَّة وما أكثرها ؛ والأدهى من ذلك أنَّ الحرَّ رضي بالأمر الواقع فقُسِّمت حلب ما بين حرٍّ ونظاميٍّ ؛ حتَّى أن أحد الثِّقات أخبرني بأنَّه قابل بعض الكتائب المشرفة على إحدى الجبهات السَّاكنة وسأله عن سبب سكون جبهته وعدم تحريكها سعيًا لتحرير بقية حلب فأجابه بأنَّهم لا يستطيعون التَّقدُّم أكثر من ذلك كما أنَّ النِّظام لن يستطيع تحريكهم من أرضهم ؛ هكذا زعموا … وهكذا خيِّل إليهم
وحلب مدينة تحب الحياة فهي مدينة الفنِّ والطَّرب … تهوى المشاوي والكبب ، وهي مركز الصناعة والتجارة ، كما أنَّها منارة العلم و[ الشَّطارة ] ( بمعناها العامِّي وليس بمعنها اللُّغوي ) ، لذا حاول المدنيون فيها أن يتأقلموا على مرِّ الواقع كما فعلوا طوال حكم آل الأسد ، فمارسوا حياتهم تحت ظل القصف وعلى أصوات الاشتباكات ، وكما قال لي أحدهم : إنَّه صار من المعتاد أن يمشي الإنسان والطيران يمر قاصفًا أو القنابل طائرة أو الرصاص منهمرًا … وأمست المدينة ملاذًا لمن فرَّ من الجنديَّة النِّظاميَّة أو موئلاً لمنظمات المجتمع المدني أو حتَّى مركزًا محتمَلاً للحكومة المؤقتة الموعودة [ أو الموهومة ] !!! لكنَّ الحلبيين استفاقوا من سباتهم على هول سماع نبأ سقوط السّفيرة بعد أن تخاذل من تخاذل من تلك الكتائب الحامية المحرَّرة !!! [ وحسابهم على الله تعالى ] ؛ واستفاد النِّظام سريعًا من بسط سيطرته على السفيرة التي تبعد 30 كم عن حلب فبدأ بشحنها بما أوتي من سلاح : دبَّابات ومدافع وراجمات صواريخ ، حتَّى صارت السفيرة مركزًا ينطلق منه النظِّام إلى شرق حلب وجنوبها ، وتوالت الانكسارات … فسقطت بالأمس تل عرن القريبة من السفيرة على طريق حلب وبعد سويعات أُعلِن عن سقوط اللِّواء 80 القريب من المطاربعد أن تناوبت عليه كتائب الحر والنِّظام ، حتى استقرَّ في أيدي النَّظام ، ممَّا كان له بالغ الأثر على من آثر أن يعيش ويموت في مراتع صباه ومرابع أحبابه ، فشحبت الوجوه من هول ما يتوقَّعون في قادم الأيام وكأنَّ جنود النِّظام وشبيحته أصبحوا قدرًا لا محيد عنه وقضاء لا مردَّ له ، وأمسوا كما وصف لي بعضهم [ موتى لكنهم يمشون ] ، ولسان حالهم يقول :
يا أهـلَ أندلسٍ حثـُّوا مطيــَّـــكُمُ فما المُـــــقامُ بــها إلا من الغَلَطِ
الثوبُ يَنْسلُ من أطرافه وأرى ثوبَ الجزيرة مَنْسُولاً من الوَسَطِ
ونحن بيــن عــدوٍ لا يفارقنــــــــا كيفَ الحياةُ مع الحَيَّاتِ في سَفَطِ
ومما زادهم يأسًا ارتفاع معنويَّات جنود النِّظام الَّذين زادوا من وتيرة القصف – وهو لم ينقطع يومًا – على أحياء حلب خاصَّةً القديمة منها والشَّرقيَّة بشراسة وجنون لم يُعهَد من قبل ، والكتائب ما زالت تحتفظ بـ [ حق الرَّدِّ ] ، أو هي ملتزمة بسياسة [ النأي بالنَّفس ] فما دام القصف لم يصل إليَّ فلا شأن لي وكأنهم لم يسمعوا بـ [ أُكلت يوم أُكِل الثَّور الأبيض ] ، أو هي مشغولة بالتناحر فيما بينها ، وتخاف من صولة الكتائب الباغية عليها … أنا لا أزعم أنَّ كلَّ الكتائب كذلك بل إنَّ فيها من المخلصين مَن يذكِّرنا بالسَّلف الصَّالح ، وفيها من الواعين من يذكرنا بعباقرة السَّاسة والعلماء ؛ لكنَّ قلة هؤلاء وعدم تمكنهم من إيصال الصَّوت إلى الباقين لا يجعل لهم ذلك الأثر الملموس
فيا قوم
إلام الخُلْفُ بينكم إلاما وهذي الضَّجَّة الكبرى علاما ؟؟؟
وفيمَ يكيد بعضكم لبعضٍ وتبدون الوقيعة والخصاما
ليت شعري متى قومي يعقلون ؟؟؟ وحتى متى يتناحرون ؟؟؟ والى صوت المخلصين لا يسمعون ؟؟؟ ألم يسمعوا بالقرى التي تسلَّط عليها النِّظام ماذا فعل بأهلها ؟؟؟ إنَّه إن دخل – لا سمح الله ولا قدَّر – لن يفرِّق بين ثائرٍ وسارقٍ ، فالكلُّ في نظره متآمرٌ إرهابيٌ مستحق للسَّحق والمحق !!!
ليس لنا ولكم والله غير الله تعالى – كما تنبَّهت لذلك جماهير الأمَّة باكرًا – ولن يكون الله مع أحدٍ إلا إذا كان مع الله … والكلُّ يعلم أنَّ الله تعالى دعا المؤمنين إلى التَّوحُّد كما دعا إلى التَّوحيد ، أليس من العجائب اتِّفاق أهل الباطل ، وتشرذم أهل الحق ؟؟؟ لقد سرَّنا أن نسمع عن قرب اتِحاد بعض الألوية الفاعلة ، لكن متى ؟؟؟ أحين تبلغ القلوب الحناجر أم حين تصل الرُّوح إلى الحلقوم ؟؟؟
إنَّها نُذُر حربٍ خافضة رافعة ؛ ترفع أقوامًا إلى عليِّين فيحبَّهم الله ويحبُّونه ، وتخفض آخرين إلى أسفل السَّافلين فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
(( ولينصرنَّ الله من ينصره إنَّ الله لقويٌّ عزيز ))