لا نشك أن المعارضة السياسية السورية قصورا منها عن التفاعل مع التطورات الدولية ستدير ظهرها للصفقة الجديدة التي تم الإعلان عنها بين الغرب وإيران وكأن الأمر لا يعنيها ..
وكما أدارت هذه المعارضة ظهرها للشراكة ( الأمريكية – الأسدية ) حول الملف الكيماوي ، غير مقدرة أبعاد هذه الشراكة وانعكاساتها على الثورة السورية ، ومصائر الملايين من السوريين ، وصيرورة الصراع في سورية؛ فهي ستفعل اليوم الشيء نفسه . دون أي محاولة جادة لقراءة الحدث ، وإعادة تقويم الموقف ، واتخاذ القرارات التي تحمي الثورة والثوار وتقلل من الانعكاسات السلبية القاتلة لهذه الصفقة الدولية المنحازة ..
وبينما يتابع قراء المشهد السياسي دولا إقليمية كبيرة في المنطقة تبادر إلى إعادة تقدير مواقفها وتعديل سياساتها فإن القوى السياسية للمعارضة السورية لا تزال عاجزة عن إدراك ما يجري حولها . وهي عاجزة حتى عن متابعة السياسة التركية ، كمؤشر حساس وحيوي . هذه تركية اليوم تعيد التفكير بعلاقاتها مع إيران والعراق وروسية حيث يدرك سياسيوها اليقظون أنهم مقبلون على عهد دولي جديد تكون إيران فيه لاعب دولي مرحب به ومشجع في المنطقة .
يتحدث المطلعون على مساقات السياسة الدولية عن صفقة أمريكية – إيرانية ما زال الطرفان يشتغلان عليها منذ مطلع العام / 2013 . لنا أن نتصور أن دفع خمنئي برئيس إصلاحي ( حسن روحاني ) إلى سدة الرئاسة كان جزء من عملية الإخراج لفصول الصفقة . لم يكن روحاني إلا الحامل الإيراني لإخراج مشروع تم التوافق عليه .
ولنا أن نتساءل في الوقت نفسه هل الصراخ الاحتجاجي الصهيوني جزء هو الآخر من عملية الإخراج أم أنهم كانوا كنظرائهم الأوربيين آخر من يعلم . إدراكنا لأبعاد الصفقة الدولية والإقليمية المدمرة لا يجوز أن ينسينا معادلة إيران الصفرية بالنسبة للشعب السوري ، وأن الولايات المتحدة قد اتخذ قرارها ببيع الثورة السورية كورقة محترقة لا يهمها من أمر أصحابها شيء ..
ولا بد أن نشير برهانا على ما نقول أن إيران وحزب الله باتا في ثنايا هذه الصفقة يجاهران بالتدخل السافر في سورية ، وفي قتل السوريين كإشارة على أن الاتفاق قد تم مع الولايات المتحدة على أن تنفرد إيران في الساحة السورية . بمعنى آخر أن الولايات المتحدة قد باعت سورية أرضها وشعبها وثورتها لإيران تفعل بها ما تشاء . حقيقة مواجهتها صعبة واستحقاقاتها أصعب ..
ولا نشك أن استحقاقات المتغير الجديد الذي يفرضه المجتمع الدولي على الثورة السورية والساحة الإقليمية هو أكبر من المعارضة السورية . وأنها أصغر من أن تكون بقواها المحدودة قادرة على تغييره أو التصدي له . والمعارضة السورية كممثلة لثورة تناصبها إيران عداء وجوديا لا سبيل إلى تهذيبه أو تخفيف حدته مطالبة أن تعيد قراءة الموقف الدولي الذي ينشئ هذه الأيام حلفا ضدها . حلفا يشترك فيه الروس والأمريكيون والأوربيون والإيرانيون للإحاطة بهذه الثورة وإحباطها ومصادرة الطريق عليها . وهذا الحلف سيضطر العديد من الدول التي كانت في المرحلة السابقة داعمة مباشرة للشعب السوري أن تعيد حساباتها أو توازنها أمام الواقع الجديد ..
أمام الشراكة ( الغربية – الإيرانية ) أصبح من العبث إن لم نقل من البلاهة التي لا حدود لها أن تعتد المعارضة السورية على نفسها أصدقاء ؛ لم يثبتوا صداقتهم في أي مرحلة من مراحل الصراع ..
ندرك صعوبة الموقف وخطورة الخيارات وعظم التحديات ولكن استرسال المعارضة السياسية في طريقها السابق يعني الاسترسال في طريق سفك دماء السوريين وتدمير بلادهم في مسعى عبثي سيفضي بهم مهما تعاظمت التضحيات إلى بيت الطاعة الإيراني – الأسدي ..
تقف الثورة السورية اليوم على مفترق طرق . الثوار السوريون ما زالوا أوفياء لمشروع ثورتهم ، ما زالوا يثبتون يوما بعد يوم قدرتهم ليس على الصمود فقط بل على الانتصار أيضا . هذه الحقيقة التي ما زالت إيران وحلفاؤها الغربيون يسعون إلى تحطيمها في عقول وقلوب السوريين بترداد أقوالهم : لا نصر عسكري . ولا بد من الاستسلام على مائدة الحل السياسي . وإن كان مزعوما .
المعارضة السياسية كقوى مؤتمنة أمام الله والناس مطالبة اليوم أن تبحث عن استراتيجية جديدة لنصرها . استراتيجية لا تمر على مجلس الأمن ، ولا على الأمريكيين أو الأوربيين أو الروس أو الإيرانيين ..
هل هذا ممكن ؟! هو صعب وعسير ومكلف وشاق ولكنه غير مستحيل ، نداؤه الخالد : يا يحيى خذ الكتاب بقوة ..