نقلت وسائل الاتصال الاجتماعي عن طبيب في أحد المشافي الميدانية في سوريا قوله أنه أُتي إليه بطفل لإسعافه، لكن الأجل كان أسرع، إذ ما لبث الطفل أن قال: سأخبر الله بكل شيء! ثم فاضت روحه إلى بارئها.
ولقد حفلت صفحات فيسبوك وتغريدات تويتر بهذه العبارة، إذ راح كثيرون يلقون باللوم على غيرهم الذين لم يفعلوا شيئاً لإيقاف آلة الموت التي تقذف بالبراميل المتفجرة فوق رؤوس شعب أعزل، فتقتل عشوائياً كل من صادف وجوده في منطقة إلقاء البراميل التي تُرمى من ارتفاع بعيد نسبياً حتى لا يتمكن الثوار من اصطياد الطائرات التي تلقيها. لكن قلة من الناس تنبهوا إلى أننا كلنا مسؤولون بطريقة أو بأخرى، لأننا لم نقدّم لإخواننا السوريين ما يجب تقديمه.
لا أدري ما هي المعلومات التي لدى ذلك الطفل الضحية والتي قال بأنه سيخبر بها رب العالمين. لكني أجزم بأنها لا تعدو بضعة أمور شاهدها بنفسه. وربما من رحمة الله به أن قبضه إليه، إذ لا ندري هل بقي أحد من أسرته على قيد الحياة، أم إنه كان سيبقى يتيماً مع باقي الأيتام الذين تغص بهم مخيمات النازحين واللاجئين. وهل لو بقي على الحياة سيجد مدرسة تؤيه وتعلمه، أم إنه سيبقى مع مئات الآلاف من الأطفال الذين فقدوا فرص التعليم. وهل يمكن لمثله أن ينشأ طفلاً سوياً في سلوكه ونفسيته وقد شاهد بعينه مختلف صور القتل والعنف والاغتصاب.
هذه المواقف التي تؤثر في الطفل وتستقر في عقله الباطن والتي إذا لم يتم تداركها فسيأتي اليوم الذي يفرغها في أعمال غير سوية، حيث نرى بعض اليافعين قد انساقوا إلى الإجرام بسبب المشاهد التلفزيونية التي أثّرت فيهم، وهي على كل حال تمثيل وليست حقيقة، فكيف بالأطفال الذين عاشوا مآسي الحرب المدمرة؟ وكيف بمن صُدم بمقتل أبيه أو أخيه أو صديقه أو كل هؤلاء وهو يراهم رأي العين؟.
ويؤكد الأطباء النفسيون في المخيمات أن الأطفال في حاجة لتأهيل نفسي من دوامة العنف التي عاشوها، ولا يستطيع أحد أن يتوقع مستوى الحقد والعنف الذي سيحكم سلوكهم إن لم يتم إنقاذهم.
من المؤكد أن ذلك الطفل لم يطلع إلا على رآه في محيطه، فانقطاع الكهرباء المستمر لم يسمح له أن يرى ما نشاهده نحن على مختلف القنوات الفضائية أو الشبكات الإخبارية الإلكترونية مما يشيب لهوله الولدان. فمن أخبار عن وفاة أناس من الجوع بسبب الحصار، إلى أخبار وفيات من البرد بسبب فقدان وسائل التدفئة والوقود الذي يُستخدم فيها، إلى أخبار تشير إلى أن حصيلة القصف بالبراميل المتفجرة والمستمرة منذ أيام بلغت 560 قتيلا بينهم 148 طفلا و63 امرأة، إلى أخبار تروي تمزق الأسر حيث يهرب بعض أفراد الأسرة من القصف أو الحصار أو طلباً للرزق في حين يبقى الآخرون في المعتقلات أو تحت الحصار ينتظرون الموت في أي لحظة بعد أن نفدت إمدادات الغذاء والحاجات الأساسية بشكل كارثي، إلى أخبار تقول بأن هناك نصف مليون جريح يفتقدون العلاجات الأساسية, حيث تعاني المناطق المحاصرة والمناطق غير التابعة لسيطرة النظام من نقص شديد في العناية الطبية، إضافة إلى منع المنظمات الطبية الدولية من الدخول إلى المناطق المحاصرة لإيصال المساعدات الطبية الملحّة.
على أن الخبر الأكثر إزعاجاً هو ما أعلنه برنامج الغذاء العالمي أن حوالي نصف السكان داخل سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي, وأن حوالى ثلثهم في حاجة ملحة لمساعدة غذائية للبقاء على قيد الحياة. ثم إن انخفاض درجة الحرارة مع موجة الصقيع يزيد من مأساة ملايين النازحين داخل سوريا واللاجئين في الدول المجاورة.
أما ما يتعلق بشؤون التعليم فقد أكدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن الأطفال السوريين اللاجئين يواجهون مستقبلا مظلما فهم يعيشون في أسر ممزقة ولا يلتحقون بالمدارس!
قد يكون اللاجئون الذين استطاعوا الوصول إلى بعض الدول الأوروبية أحسن حالاً، لكنهم مازالوا يتذكرون ساعات الرعب في الطريق المحفوف بالمخاطر حيث مات بعض زملائهم، وكما يتذكرون الابتزاز والمبالغ التي أنفقوها حتى وصلوا إلى بر الأمان، مما ينغص عليهم عيشتهم.
إن مما يحز في النفس أن يتحول شعب كامل إلى أرقام. فنحن نتحدث عن عدد القتلى، عدد المشردين، عدد الجرحى… دون أن يكون في النفق المظلم أي ضوء يخبرنا عن قرب النهاية، وأخشى ما نخشاه هو أن تصبح المخيمات وطنهم الدائم.