مبادئ اتفاق التسوية السياسية – جنيف 2

زهير سالم

بيان المبادئ الأساسية لاتفاق التسوية السياسية لمؤتمر جنيف الثاني للسلام بيان من هذا..؟!

يبدو أن بيان المبادئ الأساسية الذي تقدم به الفريق المفاوض في جنيف لم يحظ بما قدره له أصحابه من اهتمام سياسي ، لا في أوساط المعارضة السورية بمختلف مدارسها ، ولا في وسط المعنيين ظاهرا به وهم هنا بشار الأسد وفريقه المدافع عن وجوده وعن قضاياه . بل لم يتحرج هؤلاء الأخيرون أن يعلنوا بطريقة تفتقد الدبلوماسية أنهم ( لم يصغوا إلى وثيقة المبادئ ) موضع الحديث ..

ولولا أنني قرأت في مدخل البيان عبارة تحدد أنها صادرة عن ( وفد المعارضة ) لما استطعت أن أخمن إن كانت هذه الوثيقة بمبادئها فاقدة الهوية صادرة عن معارضة تدّعي أنها تمثل ثورة بلغت تضحياتها ملايين الناس بين شهيد وجريح وطريد ..!!!

افتقدت ( مجموعة الخبراء المحايدين ) الذين صاغوا الوثيقة الإحساس بالانتماء إلى الثورة ، كما افتقدت تكتيك المفاوض ، فخلعت العروس ثوب زفافها على منصة العرس، وسط الناس وقبل أن تصل إلى غرفة النوم !! موضوعية الوجبات السريعة على الطريقة الأمريكية ، أليست هذه هي الصيرورة التي تنتظرهم فلماذا لا يبدؤون بها ؟! ولماذا يتعبون أنفسهم بترتيبات وتعقيدات الحفلة والزفة وثوب الزفاف …؟

بقدرة قادر تحوّل ( المفاوضون ) أو( المعارضون ) المفترضون إلى خبراء أو وسطاء ليظنوا أو يخالوا أو يحسبوا أن بإمكانهم أن يكتبوا النتيجة المحايدة البريئة في أربعة وعشرين مبدأ أساسيا يظنون أن التغيير في سورية يمكن أن يحدث عبر درجات سلم من النايلون الذي يموهون وإن كانت عتبته من زجاج مطلي بدم الأبرياء ..

ويتبدى لي – كواحد من أبناء الشعب السوري وبهذه الصفة أكتب – أن هؤلاء الخبراء ، الذين ينفقون من حساب لا يملكونه ، لم يكتبوا نقاطهم الأربع والعشرين لسورية ولا للسوريين ، ولا للثورة ولا للثوار ، ولا لبشار ولا لفريق لبشار ؛ وإنما كتبوها لطرف آخر هم يعرفونه جيدا ويتطلعون إلى قبوله ورضاه بل وإلي ما سبق قبوله ورضاه ..

بل لقد اشتملت وثيقة المبادئ الأربع والعشرين فيما اشتملت عليه ( ترصيعات ) من كلام المعلمين الكبار من تصريحات سبقوا لهم أن تفوهوا بها ، وآثر الذين يبتغون عندهم الرضا تكرارها دون وضعها بين قوسين على ما تقتضيه أمانة النقل في البحث العلمي المنهجي من نسب بنات الأفكار إلى أصحابها ..

وبصفتي – واحدا من أبناء الشعب السوري – أدعي أن التحاف المتقدمين بالوثيقة اسم ( وفد المعارضة ) يدخل تحت عنوان الدعوى العريضة ، والادعاء المذموم وفي قواعد شريعتنا أن ( البينة على من ادعى ) ، فمما أعلم وأتابع أن قوى سياسية أساسية وجماهير غفيرة من رجال الثورة والمعارضة لم تفوضهم ولم توكلهم ولم تؤيد ذهابهم ولم تر فيهم ممثلين صدق لتطلعاتها ولا لإرادة منتسبيها ، بل بعض هؤلاء إلى التشكيك فيهم أقرب من التفويض لهم …

والذي أريد أن أنوه به أن هذا الموقف المجانب لهؤلاء المفاوضين يبنيه أصحابه على معطيات متباينة وخلفيات متعددة ، وأن كثيرا منهم لا ينطلقون في موقفهم من قاعدة الرفض للحل السياسي ، والبحث عن المخرج الأقرب من الوضع المستحكم الذي آل إليه الأمر في سورية ؛ وإنما ينبع من ظرف المؤتمر ، ومن مقدماته ، ومظلته والداعين إليه والداعمين والمستجيبين له …

إن أهم ما افتقدته وثيقة المبادئ هو الظهير العملي الذي يمنح كل هذا الكلام المرصوف بعناية قوته وقدرته ..

سيقول الخبراء الأذكياء : ضمانة المجتمع الدولي !!!!!!

ولو كان المجتمع الدولي يريد أن يكون له دور في سورية مجتمعا لما كنا نعيش هذا الاستحكام في الإغلاق بعد ثلاث سنين ..!!

ولو كان ( أصدقاؤهم ) الذين كتبوا لهم البيان الوثيقة يريدون أن يتصرفوا منفردين لما كنا نعيش هذا الإغلاق بعد ثلاث سنين ..!!

ولو كان المجتمع الدولي مجتمعا أو منفردا يريد أن يكون له دور في شأننا لأعاننا على عقد هذا المؤتمر في شامنا ، وليس في جنيفهم ، كما تحاور أهل اليمن في يمنهم . نذكرهم أن الأستاذ عبد العزيز الخير اعتقل بعد عودته من زيارة لكبير الداعين إلى المؤتمر أي بعد عودته من موسكو ..

التعويل على المجتمع الدولي هو حجر سنمار في هذا البناء الهش ، ومن جرب المجرب فعقله مخرب ، ومن جرب المجرب حلت به الندامة .كما تعودنا أن نقول

الأخطر في الدلالة ، والأعظم في الجناية ، أن تقرأ الوثيقة المأساة أو الوثيقة الجناية فلا تجد ذكرا ( للثورة ) ولا ( للثوار ) ولا ( للجيش الحر ) ولا لكتائبه المسلحة . بينما تقرأ بالمقابل ضمانات وتعهدات للظالم المستبد حبيب الفناء عدو الحياة . ولكل من وما يلوذ به أو ينبثق عنه أو يدور في فلكه حتى لتخال أن الوثيقة بنقاطها الأربع والعشرين قد كتبت وأخرجت في أحد استديوهات علي مملوك أو رامي مخلوف ..

مثل واحد أضعه بين يدي القارئ عن تصور صانع الوثيقة ( للجيش الحر ) وعن المصير الذي يرسمه لقادته وكتائبه ومنتسبيه ولله الأمر من قبل ومن بعد

فحسب وثيقة المفاوضين البررة !! أنصحك أن تراجع ( 1 ) من النقطة السادسة من الوثيقة العتيدة والتي تنص على مايلي : ( توطيد الهدوء والاستقرار الكاملين فيجب على جميع الأطراف أن تتعاون مع هيئة الحكم الانتقالي لكفالة وقف أعمال العنف بصورة دائمة ويشمل ذلك اكمال عمليات الانسحاب وتناول مسألة نزع سلاح المجموعات المسلحة وتسريح أفرادها أو إدماجهم في الجيش والقوات المسلحة أو في قطاعات الخدمات العامة والمدنية )

أولا – وهكذا تم شطب مؤسسة ثورية عتيدة هي مؤسسة الجيش الحر بكل كتائبها ومنتسبيها وتحول اسم الجيش الحر الجيش الذي دافع عن أهلينا و أعراضنا إلى ( المجموعات المسلحة ) ، ويرسم هؤلاء لهذه ( المجموعات المسلحة) المصير الآتي :

نزع سلاحها ..

وتسريح أفرادها

أو إدماجهم في الجيش والقوات المسلحة ( أي وضعهم تحت إمرة ضباط بشار الأسد ليغتالوهم من الخلف كما فعلوا أول مرة ..)

أو ( إدماجهم ) في قطاعات الخدمة المدنية ..

وبالمقابل وهذا هو الانحياز القاتل تضمن الوثيقة البائسة التي تقدم بها من يزعم أنه معارض ، تضمن هذه الوثيقة لجيش بشار الذي قتل واغتصب ودمر ما يلي ( الفقرة ( 111) من النقطة السادسة )

( استمرار المؤسسات الحكومية والموظفين من ذوي الكفاءات فمن الواجب المحافظة على خدمات المؤسسات العامة وإعادة تقييم دورها ووضع خطط للرقي بها وفق المعايير المهنية العالمية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان … ويشمل ذلك فيما يشمل الجيش والقوات المسلحة وهيئات وأفرع الاستخبارات ودوائر الأمن ..)

أخشى أنني لو علقت على هذه الكلمات ألا أقول قولا سديدا . وإنما سأترك للقارئ أن يعلق على هذه التصورات وعلى هذه الوعود : وأن يتصور كيف يمكن الارتقاء بأداء الفروع الأمنية في مجلات التعذيب أو القتل أو الاغتصاب ولا تنسوا وفق المعايير المهنية الدولية ووفق معايير حقوق الإنسان ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *