بقلم: خالد بن عبد العزيز المانع
لم أكن أعرف وأنا في سن الثامنة عشرة أن الذهاب إلى بلد غريب وبعيد جغرافياً وثقافياً سيكون له هذا الأثر في مسار حياتي، خاصة أن هذا البلد بالنسبة لنا غامض وبعيد ولا توجد معلومات كافية عنه في ذلك الوقت.
وعند وصولي إلى اليابان بدا كل شيء غريبا؛ اللغة وجميع المكونات الثقافية. أحببت كتابة اللغة اليابانية والحروف الصينية فيها. وقد حاولت أن أبذل أكبر جهد لإتقانها، لعلي أحظى بدخول جامعة عريقة من جامعات اليابان المشهورة، والحمد لله تم قبولي في جامعة ميجي اليابانية وذلك عام 1980.
في أول يوم دراسي كان هناك درس عظيم في انتظاري وسوف يؤثر في حياتي العملية. حرصت أن أكون عند حسن ظن الأستاذ المسؤول عن الدرس العملي الأول في المختبر، كمطلب أساسي لدراسة الهندسة. لذلك اجتهدت كثيرا وقرأت أكثر باللغة اليابانية، سعيا للتميز. في ذلك اليوم، حضرت مبكرا وانتظرت باقي الطلبة أمام طاولة الأجهزة المختلفة الخاصة في المجموعة، وعند اكتمال العدد، استغربت عدم معرفة جميع الطلبة التعامل مع هذه الأجهزة، لمعرفتي عن اجتهاد اليابانيين وجديتهم. وجدتها فرصة لاستعراض مهاراتي وجهدي المبذول أمام الجميع، خاصة الأستاذ المسؤول. وكانت التجربة تحتاج إلى خمس ساعات من العمل المتواصل. بدأت العمل في التجربة لوحدي أمام تردد جميع الطلبة واستغرابهم. وقد أخذت مني فقط نصف ساعة تقريبا لإنجازها. وقد فرحت كثيرا لهذا الإنجاز، وزاد فخري بنفسي، وذهبت مباشرة، أمام ذهول الجميع، إلى مكتب الأستاذ، وقلت له إنني أنهيت هذه التجربة بنجاح كما هو مطلوب في الدرس. باشرني بنظرة غريبة ما زلت أعيش لحظتها، ودعاني إلى مكان التجربة. وعند وصوله إلى مكان التجربة نظر إلى الأجهزة وإلى باقي الطلبة في المجموعة، ثم التفت نحوي، وقال بشدة: تعال معي إلى المكتب.
لم أكن أعرف ماذا يريد؟ ولماذا لم يكافئني؟ ولماذا تعامل بشدة معي؟ لعله كان أجدر به أن يقول أحسنت! أغلق باب المكتب، وقال: أنت لا تعرف ماذا تعمل. هل كنت تعتقد أنه لا يوجد أحد من المجموعة لا يمكنه أن يعمل مثلك أو أفضل؟ كلهم قادرون. ولكن المراد من هذه التجربة أن تعملوا جميعا لإخراج أفضل النتائج، وليس الهدف أن تعمل كما هو مدون ولوحدك. أنت تحتاج إلى تغيير جذري في طريقة تفكيرك، حتى تكون أهلا لهذه الجامعة، ولذلك لن أعطيك متطلبات هذه المادة، وأنت مطرود من هذا الفصل لهذه السنة حتى تتذكرها طيلة حياتك.
حاولت جاهدا أن أغير رأيه، خاصة أن هذه المادة متطلب أساسي. ولكنه رفض رفضا قاطعا، وقال: سوف تعيدها السنة المقبلة.
في البداية، اعتقدت أني تعرضت لظلم وتحامل الأستاذ، ولكن مع مرور الوقت فهمت مغزى هذه الحادثة؛ أن روح العمل الجماعي أحد أسباب النجاح.
هذه التجربة أعطتني الكثير من النجاح في الحياة العملية، وما زلت أذكر هذا الأستاذ الفاضل، الذي كان يراقبني من بعيد. جاء وقت التخرج، وقال لي: لقد كنت أراقب تحصيلك العلمي والثقافي، وأنا فخور بك وبتخرجك.
من تجربتي الشخصية، العمل الجماعي هو أحد أهم أسباب النجاح في أي كيان؛ سواء كان وطنا أو شركة أو مؤسسة، وأن العمل الجماعي في صميم الثقافة اليابانية وأحد أسباب نجاحها وتميزها. تلك كانت زاوية من ثقافة العمل؛ كسبتها في اليابان طالبا، ومضت معي مسيرة حياة.
واليابان في الخمسينات من القرن الماضي وبعد خروجها من حرب مدمرة أرادت أن تجد طريقة لتطوير العمل في مؤسساتها بطريقة قوية وسريعة فبحثوا كثيرا حتى وجدوا أحد الباحثين في أمريكا يدعي أنه يملك طريقة رائعة لتطوير أي مؤسسة فأحضروه لليابان وطلبوا منه تطبيق تجاربه الإدارية وكانت ناجحة جدا وفكرته ببساطة أن يجتمع مدراء الأقسام في كل مؤسسة يوميا لمدة محددة ويقول كل منهم تجاربه الجيدة وتجاربه الفاشلة في العمل ويتبادلوا كل تلك الخبرات بصدق وشفافية وحب للنصيحة
وفعلا كان لهذا تأثير كبير جدا من إشاعة روح التعاون والنصيحة فلم يعد أحد يرتكب أخطاء كثيرة وأصبح كل واحد منهم يطبق أفضل التجارب فمثلا لو اكتشف أحدهم مصدرا لمادة الحديد رخيص وجيد وفعال يوصل هذه المعلومة فورا لكل المدراء الآخرين وهكذا في كل صغيرة وكبيرة
هذه هي روح الإسلام في بلاد اليابان والتي هي أساس في عقيدتنا:
وتعاونوا على البر والتقوى
الدين النصيحة
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص
هذه هي الروح التي يجب أن تسود في الثورة السورية
هذه هي روح الإسلام والنجاح
———-
نائب الرئيس التنفيذي للأسمدة (سابك)، المملكة العربية السعودية