لقد مضى قرن من الزمان وقيادة الصحوة الإسلامية ترزح تحت مقصلة الاستئصال على أرض ، ويطحنون برحى الإقصاء على أرض أخرى ، ومحاولات التنميط
المشوه في توجيه فكري وثقافي يخدمه إعلام معولم يمتلك كل وسائل الخداع والتضليل ..
ولقد أثمرت جملة تلك السياسات على إضعاف قدرات قيادات الصحوة الإسلامية . وشرذمتها ، ونمو أشكال من النباتات الغريبة في وسطها وعلى ضفافها ، فكان ما نتابعه ويتابعه معنا الآخرون من مدارس الغلو والتطرف والذهاب بالخطاب الإسلامي الحامل لمشروع الرحمة العامة ، والخير لكل الناس في تفسيرات وسياسات يبقى الإسلام ودعوته بريئا منها. حتى غدت مدارس الغلو هذه وتنظيماته خطرا ليس على وحدة مدارس الصحوة الإسلامية أو على جماهير هذه الصحوة ومجتمعاتها بل لقد أصبح خطر هذه الجماعات والتنظيمات مهددا بشكل أو بآخر لما يسمى قواعد الأمن والسلم الدوليين ….
ويقتضي المقام أن نعترف أن الانعكاسات النفسية والعقلية لأجواء الإرهاب والملاحقة والتضييق والتخويف قد تطرقت إلى خطابات وتقريرات ومغذيات سلبية في فكر العديد من المؤثرين الفكريين والقادة العمليين . لا شك من الناحية النفسية أن نميز بين النفس الإنسانية في حالة الاستواء الحر المطمئن وبين تلك التي تفكر أو تقدر تحت تأثير الاضطراب والقلق والهجرة والاستضعاف .
ولكن ومهما يكن حظ الصواب أو الخطأ فيما نقدر أو نواجه فإن الحقيقة التي لا يجوز لأحد أن يغفلها أو أن يتجاوز عنها هي أن جماهير الصحوة الإسلامية هم حقيقة واقعة على الأرض ، وأنهم بعد قرن من الحرب الكريهة المتعددة الأساليب التي شنت عليهم قد خرجوا أصلب عودا وأشد قناة وأكثر تابعا ..
والحقيقة الثانية …
هي أن ما عجز عنه ستالين وتيتو وأتاتورك وعبد الناصر وصدام حسين وحافظ وبشار الأسد لن يقدر عليه لا السيسي ولا داعموه ومشايعوه كما لن يقدر عليه خمنئي ولا حسن نصر الله ولا المالكي ولا كل المتعهدين الجدد لمواجهة جمهور الصحوة الإسلامية . ..
والحقيقة الثالثة …
أن المنهجية الإسلامية الحقيقية في رؤية أهل العلم والحكمة من رجال الإسلام هي منهجية عملية ملبية لتطلعات العصر محققة لمصالح الشعوب التي تؤمن بها ، بل إننا نؤمن أنها منهجية قادرة لو تسيدت الحكمة الموقف البشري العام أن تقدم الحلول العملية لكبرى مشاكل الإنسانية الغارقة في مستنقعات الاضطراب والظلم والفساد ..
ومن هذا الحقائق نخلص إلى الحقيقة الأخيرة بأنه يجب أن تأخذ التجربة الإسلامية كما يريدها أبناؤها فرصتهم . لا يجوز أن يحال بين المسلمين وبين مشروعهم ، كما لايجوز أن تستمر تحالفات أهل الشر على منهجية قطع الطريق عليهم كما يحدث في سورية وكما حدث في مصر وفي تونس ..
لأن البديل عن هذا المشروع لن يكون كما يتوقعه ويريده البلهاء . وبعد ثورات الربيع العربي فإن البديل عن هذا المشروع سيكون أشد قتامة بل بشاعة مما أنجزه ابن علي ومبارك وحافظ وبشار الأسد ..
إن مجتمعاتنا بكل ما عانته و تعانيه ليست بحاجة إلى أن تعيش قرنا آخر من التجربة المرة بكل ثمارها.والمجتمع الدولي الغارق في عملية اضطهاد المسلمين واستئصالهم وإقصائهم وتسليط صغار الطغاة والمستبدين عليهم ليس بحاجة هو الآخر أن يدفع قرنا آخر على طريق الصراع الحضاري لا أحد يعلم إلا الله حجم أبعاده الكارثية ..
ستكون قوى الاعتدال الإسلامي في الفقه وفي الموقف وفي الاجتماع وفي السياسة هي الأقدر على تلبية تطلعات الشعوب وجماهير الصحوة الإسلامية الحقيقية بأسلوب يحقق مصالح هذه الشعوب بطرائق غير الصدام المضرج بدماء الأبرياء في الداخل والخارج ..
إن قوة الحكمة والمنطق الإسلاميين هي وحدها القادرة على إقناع جماهير الصحوة الإسلامية ضمن دوائر من الوسطية والرشد . وهي وحدها القادرة على تضييق دوائر الغلو ، وتصحيح فقهها وأطروحاتها ونهج سبيل الرفق والحكمة والتدرج في قراءة مجددة لمقاصد شريعة الإسلام ..
إن نجاح هذه القوى في مشروعها سيقطع الطريق بلا شك على مشروع الغلاة والمتطرفين وبالعكس فإن محاصرة هذه القوى والتضييق عليها لإجهاض مشروعها فسيعطي مشروع الغلو المزيد من الذرائع والمزيد من الجرعات المغذية ..
إن من يراقب المشهد المجتمعي الإسلامي اليوم يتلمس بجدية صعوبة المهمة التي تفرض تحدياتها على قوى الاعتدال الإسلامي …
فهم بين مطارق سياسات دولية ذات أبعاد ثقافية وسياسية تاريخية ممنهجة تقوم على إقصائهم ونبذهم والتضييق عليهم ، ثم بعض أصحاب السلطان الذين رأوا في الربيع العربي تهديدا لكراسي حكمهم ومستقبل بنيتهم التي ينخرها السوس ويعشش فيها الفساد ، ثم ثالثا تحت مطارق المنافسين الصغار الذين أفلست مشروعاتهم ودكاكينهم التي عجزت أن تتحول في أي لحظة إلى مستوى الشركات العامة حتى على المستويات القطرية . فلقد بارت بضاعتهم وكسدت تجارتهم ورغبت مجتمعاتهم عن أفكارهم ونظرياتهم .. تعيش تجربة الاعتدال الإسلامي اليوم ودعاتها ورعاتها بين مطارق كل أولئك وسندان أهل الغلو والتطرف الذين باتوا يهددون كل من حولهم بشر مستطير والذين تحولوا مع كل الحرب المفروضة عليهم أشبه بالشركات العابرة كالقارة ( الكولا ) أو ( المكدونالدز ) .
تحاربونهم وينجحون تدعمونهم فيفشلون لعلكم تتذكرون