لا نقصد من مشروع ( أنسنة الثورة ) الاستغراق في المعاني الفلسفية والفكرية التي يطرحها البعض تحت عنوان ( الأنسنة ) ، كما لا نقصد الانسياق وراء ما طرحه بعضهم عن ( أنسنة الإسلام ) بمعنى ( بشرنته ) أي إحاطة تجلياته الربانية المفتوحة على الزمان والمكان بقيود ( زمكانية ) من الإسقاطات البشرية ..
وبعد يبقى موضوع أنسنة الثورة السورية جزءً من مشروع أنسنة المشروع النهضوي الوطني السوري . يستحق أن تُشرح أبعاده ، وأن تُوضح ملامحه ، وأن يُؤكد على مفاصله ، وأن يتوافق السوريون على أهدافه وأطره ووسائله …
ويصبح موضوع ( أنسنة الثورة وأنسنة المشروع الوطني ) أكثر ضرورة وأهمية وإلحاحا في ظل تخلي العالم المتمدن عن الساحة السورية ، وترك السوريين فريسة لمشروع همجي متوحش يقوده بشار الأسد وشركاؤه الدوليون ( الستالينيون ) بكل وحشية الستالينية وقد خلا لها الجو ، والشركاء الإقليميون الطائفيون المكتنزون حقدا وكراهية تاريخيين عمرهما خمسة عشر قرنا …
إن ما سطره عالم الفيزياء وليس الصحفي ( ستيفن هوكنغ ) في مقاله في الغارديان تحت عنوان ( ما يجري في سورية بشع ) في 17 / 2 / 2014 يختصر علينا الكثير من القول ، فقد حذّر أذكى رجل في العالم كما يلقب ، في مقاله من تحالف الغرائز البدائية التي تتحكم في بشار الأسد وشركائه من الروس والإيرانيين وأتباع الولي الفقيه في لبنان والعراق مع التكنولوجيا الحديثة. وأكد أن ما يجري في سورية هو خطوات إلى الوراء في طريق التمدن الإنساني .
لن ينتظر أحد من الشعب السوري أن يجيب على هذه الهمجية الغرائزية المدججة بكل أنواع الأسلحة المتطورة والفتاكة بباقات الورود والرياحين . لقد أسقطت همجية بشار الأسد وشركائه الدوليين العمليين والصامتين كل مراهنات السوريين على سلمية ثورتهم ، وحرصهم على هذه السلمية وتمسكهم بها . ولقد دُفع الشعب السوري والثورة السورية إلى المستنقع الكريه مستنقع الدم والبدائية والغرائزية رغم أنف الثوار الذين لم يجدوا وسط الخذلان الدولي العام غير الأسنة مركبا فلم يكن أمام المضطر إلا ركوبها …
صحيح أن الحديد بالحديد يفلح ، كما تقول العرب ، وأنه لا يفل الحديد إلا الحديد ؛ إلا أن علينا جميعا أن نعترف أن المتضرر الأول من الارتدادات الحاصلة على طريق التمدن الإنساني حالا ومستقبلا هو الشعب السوري وثورته . وأن من حقنا أن نرفض أن نكون الوجه الآخر لتلك الهمجية والبدائية وأن نحذر ونحتاط لئلا نكون ، وندرك ونقر لأن المنزلق خطير ..
وإننا حين نلحظ دولا مستقرة تمتلك كل مؤسساتها السياسية والأمنية تتخوف من انعكاسات عودة بضعة أفراد من هؤلاء الذين ينبذونهم بالأوصاف المريبة إليها فكيف يمكن للسوريين أن ينظروا إلى مستقبل وطنهم وسط هذا السيل من فيضانات : النقمة والكراهية والحقد والدم ؟! وكيف يمكن للعقلاء أن يتغاضوا وهم وسط هذا المعترك الضنك عن حزمة المخاطر التي تأخذ على أجيالهم القادمة سبيلها للعيش الآمن المستقر الكريم ؟
وحين تتم هذه الارتدادات عن طريق المدنية الإنسانية تحت راية الإسلام وباسم مشروعه ممارسة وسلوكا وخطابا فإن الخطر ولا شك يكون أعظم ، وتداعياته الكارثية تكون أبعد أثرا على هوية الشعب السوري وذاتيته وانتمائه ومشروعه ويومه وغده …
وهذا يرتب على القوى والشخصيات الإسلامية واجبات إضافية ثقيلة على الصعيدين النظري والعملي ، على صعيد الارتقاء بوعي الفرد كما الارتقاء بوعي الجماعة و المجتمع . لا يجوز للقوى الإسلامية والمجتمعية والسياسية السورية تحت أي ظرف أن تتماهى مع خطاب المرتدين مدنيا عن أفق الإسلام الإنساني المنفتح على الجميع . وإن ركوب موجة هؤلاء تحت أي اعتبار ستهوي بهؤلاء الذين يفرحون بها إلى الهاوية والخسران في الدنيا والآخرة ..
( التمدن الإسلامي ) ليس عنوانا نخترعه اليوم . لقد كان عنوانا لسيرورة تاريخية رافقت نشوء وارتقاء المجتمعات الإسلامية مع تبدلات الزمان والمكان في كل حين .
قد لا يدرك أبناء هذا الجيل أن ( التمدن الإسلامي ) كان عنوانا لجمعية سورية ذات مشروع نهل أبناء جيلنا الكثير من معين مجلتها التي غذّت وعلمت وثقفت …
نشعر بالغربة اليوم حين نتابع أشكالا من السلوك باسم الإسلام وباسم الثورة والثوار كما تمتلئ قلوبنا بالفزع حين نصغي لأحاديث بعض المتحدثين .
نعم نسمع خطابا نُّكرا يُتلى باسم الإسلام ومشروعه والثورة ورجالها خطابا لا عرفناه ولا ألفناه ، ولا بشر المبشرون به ولا تحدث حملة المشروع يوما عنه .
إن استحقاق كل ذلك على رجال الفكر والدعوة السوريين منهم بشكل خاص المبادرة للأخذ بحُجز هؤلاء المتقحمين بالإسلام ودعوته والثورة ومشروعها إلى حيث لا يعلمون . هؤلاء المتقحمون بأنفسهم وبمجتمعهم وبوطنهم وبدينهم حيث أشار عليه الصلاة والسلام ( فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيها .. ) في ثنائية الفراش والنار ..
الاستعصام بالآفاق الإنسانية للمشروع الحضاري الإسلامي بأبعاده كافة ، وإبراز مجالي الإسلام العظيم الإسلام الرسالة الرحمة والعدل والإخاء والحضارة والمدنية هو طريقنا إلى أنسنة مشروع الثورة وأول هذه الأنسنة التمييز بين مشروع بناء الثائر وبناء المريد ..