ما زلنا نصرخ وننادي منذ دهر بفتح جبهة الساحل، لأن العدو لن يُؤتَى إلا من قِبَلها ولأنّ فتحَها سيخفف الضغط عن سائر الجبهات المشتعلة. أفلمّا فَتحت تلك الجبهةَ العصيّةَ طائفةٌ من مجاهدينا الأبطال تخلّينا عنهم وتركناهم وحيدين في الميدان؟
تتوارد الأنباء منذ أيام متحدّثةً عن جسر جوي وبرّي هائل أنشأه النظام لمَدّ جبهة الساحل بالمقاتلين والعتاد، وتتحدث الأخبار عن وحدات كاملة يجري نقلها على جناح السرعة إلى الساحل، من دمشق وريف دمشق ومن إدلب وحمص وحماة وحلب وغيرها من المناطق.
لا أستطيع الجزم بصحة كل ما تنقله الأخبار، ولكنْ لو كان صحيحاً (والمؤشرات والأدلة كلها ترجّح أنه صحيح) فإن العدو يوشك أن يجمع في الساحل ما يوازي فرقتين كاملتين، وهذا يعني أنه سيركز فيه نصف قواته الضاربة تقريباً بعدما كان اعتماده الرئيسي هناك خلال السنة الماضية كلها على مليشيات جيش الدفاع الوطني.
إن جبهة الساحل تمتص قوات النظام بسرعة خارقة، ولا ينبغي أن ننسى أبداً أن القدرات العسكرية للنظام صارت محدودة جداً بحيث يتعذر عليه القتال في الجبهات كلها بفعالية كاملة في وقت واحد، كما لا ننسى أيضاً أن قدرات النظام اللوجستية أعلى بكثير من قدارت جيش الثورة، فهو يملك أسطولاً هائلاً للنقل البري والجوي مقارَنةً بإمكانياتنا المحدودة، ولا ريب أنه يعلم أن الوقت يحاربه مع الثوار، لذلك فإنه سوف يحرص على الانتهاء من الساحل بسرعة، لكي يعيد القوات التي دفعها لتلك الجبهة إلى مواقعها الأصلية التي أخرجها منها. هذا يعني أن الوقت الذي يملكه الثوار قصير، قد لا يتجاوز أسبوعين، وأن عليهم أن يستغلوا هذا الوقت القصير لقلب الموازين على الأرض.
منذ وقت طويل والعقلاء جميعاً يَدْعون إلى قيادة موحدة لجيش الثورة، ولو أن مثل هذه القيادة كانت موجودةً اليومَ فسوف تتخذ قراراً فورياً بفتح كل الجبهات ضمن الإمكانيات المتاحة لشغل العدو وتشتيته واستغلال انشغاله بمعركة الساحل، فهل يمنع غيابُ القيادة الواحدة من تنفيذ هذه الخطة؟ ألا تستطيع ألوية وكتائب الجبهة الإسلامية واتحاد أجناد الشام وجيش المجاهدين وسائر كتائب ووحدات الجيش الحر أن تشعل النار في كل الجبهات؟ بلى تستطيع، وهذا ما ينبغي أن يكون.
إذا لم تتحرك كتائب سوريا كلها في هذه الأيام الحاسمة فسوف ينجح النظام في تركيز قوته الكبرى في جبهة الساحل ويسحق المجاهدين هناك، ولو أن هذا حصل -لا قدّر الله- فإن الذي يتحمل مسؤوليته ووِزْره هو كل جماعة مسلحة تملك القدرة على القتال ثم لا تفتح جبهتها على مصراعيها وتتحول من الدفاع إلى الهجوم. فلا تترددوا يا أيها المجاهدون الكرام، لا تتخلّوا عن مجاهدي الساحل ولا تتركوهم وحدهم في الميدان فإنّ التخلي عنهم في هذا الوقت خيانة، أعيذكم بالله أن تكونوا خائنين.
هذا يومكم يا أيها المجاهدون في سوريا جميعاً، وإنه يوم من أيام التاريخ، فلا تضيّعوا الفرصة فتندموا حين لا ينفع الندم. ألا تحبّون أن توفّروا على أهلكم عشرةَ آلاف شهيد أو عشرات آلاف؟ ألا تحبّون أن تُنقصوا من عذابات المعذَّبين يوماً أو مئة يوم أو مئات؟ ألا تحبّون أن تنقذوا الأطفال من مزيد من الإصابات وتنقذوا الحرائر من مزيد من الانتهاكات؟
إن الحرب بيننا وبين عدونا ستطول وتطول ما لم تضربوا كلُّكم ضربةَ الرجل الواحد وتتحركوا حركةَ الجسم الواحد، وإنّ كل يوم يَمُرّ على ثورتنا ومحنتنا يحمل معه ما لا يعلمه إلا الله من شهادات الشهداء ومن المآسي والجراحات وعذابات المعذَّبين والمعذَّبات في السجون والمعتَقلات، فهلاّ قَصّرتم عمر المحنة ووفرتم على الأبرياء مزيداً من الآلام والدموع والدماء؟
هذا يومكم يا أيها المجاهدون الصادقون الشرفاء، فأرونا ماذا أنتم صانعون.