جاءني تعليقات كثيرة على مقالتي السابقة التي تحدثت فيها عن مشروع طموح لإنشاء مستعمرة بشرية على سطح المريخ، وتمنيت أن تؤي تلك المستعمرة السوريين المشردين الذين يهربون من البراميل المتفجرة، كما تمنيت ألا يكون قابيل بين الذين سيتم اختيارهم للعيش في تلك المستعمرة، حتى لا يسنّ القتل على المريخ كما سنّه على الأرض ضد أخيه المسالم. وقد عنونت مقالتي “إن الأرض للجبناء”، أخذاً من قول الشاعر في رثاء صديقه المقتول غيلةً:
إصعـدْ، فموطنك السّماءُ، وخلِّنا *** في الأرضِ، إن الأرضَ للجبناءِ
أهم تعليق جاءني من عدة أشخاص هو تناقض عنوان مقالتي مع قول الحق تبارك وتعالى (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ، إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
وفي الحقيقة فإن قصد الشاعر هو – كما قال أحد المعلّقين على مقالتي – بأن الأرض اليوم أصبحت للجبناء من البشر، فأكثرهم لا يقولون الحق، ومعظمهم – إلا من رحم الله – لا ينصرون المظلوم، كما ظهر من طريقة تعاملهم مع قضية الشعب السوري.
أما الآية القرآنية فتتحدث عن الحقيقة الإلهية المطلقة، يرويها نبي الله موسى عليه السلام لقومه، يكلمهم بقلبه، ومن خلال معرفته بربه، وبسنته في الكون، فيوصيهم باحتمال الأذى، والصبر على البلاء، والاستعانة بالله، ويعرفّهم بحقيقة الكون، فالأرض لله، يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة لمن يتقون الله، ولا يخشون أحداً سواه. لكن قومه رفعوا شكواهم إليه أن هذا العذاب قد حل بهم من قبل أن يأتيهم، وهو يحل بهم كذلك بعدما جاءهم، فلا تبدو له نهاية، ولا يلوح له آخِر! فيرد عليهم بأنه يرجو الله سبحانه أن يهلك عدوهم، ويستخلفهم في الأرض، ليضعهم في اختبار آخر (فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). فهل سيقيمون العدل بعد أن يورثهم الله الأرض؟
إن أصحاب الدعوة إلى الله ليس لهم إلا ولي واحد، الذي هو على كل شيء قدير. وعليهم أن يصبروا حتى يأذن بالنصر، في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه وحسب سننه في الكون. فعليهم ألا يعجلوا، فهم لا يعلمون أين الخير، ومهما بدا الظالم متمكناً في الأرض، فإن مالك الملك قادر على أن يطرده متى شاء. والعاقبة للمتقين، مهما طال الزمن، فلا ينبغي أن نقلق على المصير، مهما تقلب الطغاة في البلاد، وخُيّل إلينا أنهم باقون.
وما أجمل قول موسى عليه السلام وهو يعلّم قومه أن استخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء آخر لغاية يريدها الله. فهو سيحاسبهم على تصرفاتهم وإقامتهم للحرية والعدل في مجتمعهم. ومن هنا قال أحدهم في تعليقه على مقالتي : سينتصر السوريون على من ظلمهم، وسيعودون إلى ديارهم، وسيخيب كل من خذلهم، وسيكونون أوْلى من يعلي قيمة الحرية والعدل والمساواة بين الناس لما ذاقوا من ويلات الظلم.
وأخيراً كان هناك تعليقات لطيفة، مثل قول أحدهم: لا أظن أن سورياً واحداً، مهما ضاقت به السبل، يرغب في الرحيل إلى المريخ، لأن أكل المريخ لا يناسبه!.