لم يكن من السهل أن نطرح مثل هذا السؤال في المناخ الذي ظل سائدا قبل ثورات الربيع العربي . نظن أن الثورة السورية الفاضحة للكثير من العقول والنفوس والحقائق قادرة اليوم على أن تعطي السؤال مشروعيته بكل أبعادها الاستراتيجية والسياسية ..
فحين وضعت الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها لم يكن ( الشيعة ) كقوة ديمغرافية هي القاعدة السكانية الأقرب إلى النظام الدولي أو النظام الإقليمي الذي كان مسيطرا آنذاك . لا بد أن يبحث الإنسان عما كان يحدث في ( الباطن ) ليدرك كيف تقدم دور هذه القوى التي تعلن ولاءها للولي الفقيه القائم في طهران على دور القوى المسيحية التي ما قام لبنان أصلا إلا لحمايتها ؟! أو على دور القوى الإسلامية التي تستند في قوتها العملية إلى محيط رسمي في العديد من الدول العربية أو إلى امتداداتها الشعبية في سائر المنطقة ..؟! لقد كان وراء الأكمة ما وراءها بلا شك شيء غير إرادة الإنسان وأموال المانحين ومشروعهم وإن لم يغب هذا عن الحسبان ..
يستطيع المرء أن يجهر بعد انكشاف الحقيقة واتضاح أبعاد الدور أن ما جرى في 2006 وما كان قبلها لم يكن إلا جزأ من عملية التحضير للدور الأساس الذي وكل للاعب الجديد على الساحة اللبنانية ، لاستكمال الدور الأسدي في حراسة الحدود ، بإقصاء جميع القوى الفلسطينية الموجودة هناك وخضد شوكتها ، وتحويل المخيمات الفلسطينية إلى مجرد كتل بشرية تعيش المعاناة الإنسانية والاجتماعية وتظل تمضغ خلافات القوى والمنظمات المشتتة .. ولقد نجح المقاومون المزيفون الذين توشحوا وشاح تحرير الجنوب أن يبعدوا عن الساحة اللبنانية كل مهددات الأمن الإسرائيلي ..
لنتذكر أن هذا الدور هو نفسه الدور الوظيفي الذي أسند إلى عائلة الأسد وقام به الطرفان ( بيت الأسد وحزب الله ) خير قيام . لنتذكر أن ثمانية سنوات باتت تفصلنا عن مسرحية 2006 وأن قيادة الميليشيا الشيعية قد احتفظت بحق الرد منذ ذلك اليوم قريبا من عشر مرات ..
توافقات وتفاهمات يتم احترامها بصرامة ليس هذا فقط ، بل علينا كشعب طيب لم تتعود التوقف عند دلالات الألفاظ الخفية أن نعيد منذ اليوم قراءة كل الأحداث والمجريات والبيانات والتصريحات الملغومة التي صدرت عن رجال يؤمنون بالتقية دينا …
ويبقى السؤال الأكثر مشروعية لماذا جيشت الولايات المتحدة الأساطيل والطائرات لملاحقة زعانف من ميليشيا مبعثرة مبددة اسمها تنظيم القاعدة في أفغانستان ، بعد عملية لم يعد أحد يشك في ( تمريرها لتوظيفها ) ، وسكتت عن تشكيل ميليشيا مسلحة في أعز قطر عربي على قلوب الغربيين وعلى أخطر حدود يهمهم حمايتها ..
هل كانت ولاية الاستخبارات الأمريكية والغربية نائمة عما كان يجري الإعداد له على الأرض اللبنانية ؟!
هل أساءت هذه الوكالات والمؤسسات التقدير إلى هذا الحد ؟ !
هل حقا أن تأسيس هذه الميليشيا المسلحة الضاربة التي تصادر لبنان إرادة وسكانا تم خارج إطار الإرادة الغربية والأمريكية منها بشكل خاص بل ورغم أنفها؟
وهل ما فعلته أمريكا وإيران ويفعله المالكي في العراق وقع خارج إطار الإرادة الأمريكية وبسوء تقدير منها ؟! وهل ما يفعله حزب الله وما تفعله إيران اليوم في سورية يقع خارج إطار الإرادة الغربية والأمريكية معا ؟!
لماذا وئد المفاعل النووي العراقي منذ يومه الأول دون مراجعات ولا عقوبات وترك مشروع القوة الإيراني حتى يقول أمير علي حجي زادة قائد سلاح الجو الإيراني ، منذ أيام فقط : إن قدرات إيران قد أصبحت أكبر بألف مرة ..
هل كان مسموحا بمثل هذا النمو : لمصر أو للعربية السعودية أو للعراق العربي أو للجزائر ؟!
نعلم أن الأمريكيين والغربيين لا يهمهم من عالمنا دين ولا مذهب ولا قيمة يهمهم فقط الموظفون الفاعلون المؤثرون المضمونون وقد وجدوا ضالتهم منذ عقود في أصحاب هذا المشروع الطائفي الكريه . المشروع القادر على تحقيق أهدافه في العلو والفساد ضمن دوائر تحتية لا تصطدم أبدا بالدوائر الفوقية التي يرسمها لهم المعلمون الكبار …
حقيقة كان يصوغها بطريقته منذ أيام ريان كروكر السفير الأمريكي السابق لدى العراق وسورية والسياسي الأمريكي المرموق : بقدر ما لدى بشار الأسد من سوء فهو ليس بقدر سوء أعدائه من السوريين !!!!
لا أدري كيف استقبل أوباما قبيل زيارته للعربية السعودية الذي كان يكشف عن وكلائه الإيرانيين ويتمدحهم ( استراتيجيون وعمليون وأذكياء ..) قرار بعض الدول العربية إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ..
لا أشك انه تبسم أمام مرآته وتذكر آية قرآنية ربما ما زالت عالقة في ذهنه من أيام طفولته في مدرسة التحفيظ (( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ …))