منذ البداية كان رأس الأزمة في سورية أن تتولى قيادات غير ثورية قيادة الثورة . لا شك أن قيادة الثورة تحتاج إلى قيادة ثورية . عقلية الستاتيك السياسي البارد الذي لا يفعل ولا ينفعل ، لها موازينها الباردة الواهنة . ولم يكن للعقلاء أن يبادروا إلى منازعة هؤلاء أردية الثورة التي التحفوها مخافة أن يقول الناس …
مع تقدم التجارب المريرة ، ونحن نتسلم منذ الأمس خبر سقوط كسب بأيدي ميليشيات الأسد ، ويوما بعد يوم ونحن نعايش غصص القيادات الواهنة والعاجزة والفاشلة التي خنقت حراك الثورة الملتهب على كل الصعد ، يدفعنا الإشفاق والحرص على التنبيه والتحذير لعل الصبح يسفر أمام ذي عينين ..
منذ الأيام الأولى للثورة ومع استشعار القادة الذين اندفعوا أو دُفعوا إلى موقع مسئولية لا يملكون من أمرها فتيلا ولا نقيرا جعلوا استراتيجيتهم الأساسية في انتظار ما يُفعل لهم أو بهم . وكانوا في كل الأحوال وفي انتظار هذا الذي يُفعل لهم وبهم مضطرين للمداورة والمناورة والمداهنة والتراجع والتماوت والتظاهر بالشلل وبالانكسار …
فهؤلاء الذين فقدوا القدرة الذاتية على الفعل بل على التقدير والتدبير ظنوا في صناعة الانهزام نصرا ، وفي تزيين الانكسار سياسة ، وفي القبول بكل ما يعرضه الأقوياء كياسة . كان هذا في حقيقة الأمر هو رأس الداء الذي ابتليت به القيادات السياسية للمعارضة فألحقته رغما بالقيادات الثورية التي أثبت كل فرد من عديدها في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر ..
وكنموذج على حال قيادات الانتظار المشلولة ، القيادات بلا رأي ولا رؤية ولا عزيمة ولا حد ولا جد ما جرى بالأمس من حورات في منتدى الدوحة تحت عنوان ( أمريكا والعالم الإسلامي ) حيث تواطأ المتحدثون عن الورقة السورية على أن : الحل في سورية بيد أمريكا .
وأنه لا يمكن تصور حل للأزمة في سورية دون تدخل أمريكي حقيقي يستند إلى رؤية أمريكية داخلية موحدة . وأن الأمر يحتاج إلى دعم سريع للمعارضة يغير المعادلة في الميدان . ويجبر النظام على الجلوس إلى كرسي المفاوضات .
هذه القيادات التي ترى المشهد بهذه الأعين وتتحدث بهذه الألسن لعلها تتذكر أن الشعب السوري حين أعلن ثورته ، لم يستأذن الولايات المتحدة ، ولم يتحرك بأمرها كما يقول بشار الأسد وأولياؤه ، ولم يتخذ الولايات المتحدة إلها من دون الله .
إن الواقعية السياسية شيء وأن تخرج القيادات السياسية من حولها وطولها وقوتها إلى حول الولايات المتحدة وطولها شيء آخر . والقول إن الحل في سورية هو بيد أمريكا كلام مشتق من كلام الانهزامي صاحب كامب ديفيد الأول ، يوم قال : 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا ..
ليس هناك سياسي أو عاقل يستطيع أن يسقط الدور الأمريكي ، ولا أن يقلل منه أو يتجاهله أو يتجاوزه ، ولكن هذه اللغة المستسلمة المتخاذلة ليست هي لغة الثورة و الثوار . فالحل في سورية ، على الحقيقة والجزم هو بيد الله أولا ثم هو في يد أبنائها من السوريين . هو في يد الأبطال الذي وضعوا أرواحهم فوق راحاتهم ، فهؤلاء هم الذين سيصنعون مستقبل سورية وهم الذين سيفرضونه ، وعلى كل من يريد أن يكون له في سورية شأن أن يضع يدا بيضاء عند هؤلاء .
وهذا المنطق ليس منطقا انفعاليا يتحلى بجماليته البلاغية أو الرومانسية بل هذا المنطق هو جزء من استراتيجية تتطلب من الذين يتبنونه تقديرا وتقويما لتقديم البدائل عن كل السياسات المتخاذلة والمتواطئة .
ثورات قديمة في التاريخين القديم والحديث وجدت بدائلها بعيدا عن القطبين المتواطئين اليوم على خذلان الشعب السوري . أكثر من ثلاث سنوات وقيادات المعارضة السياسية تكرس عجزها عن إيجاد البدائل على كل المستويات وتشرعنه ، وتجد في الخذلان الأمريكي مشجبا لتعلق عليه عجزها وتخاذلها وتبرر به صناعتها للهزيمة تلو الهزيمة . لا نقول إن إيجاد البدائل السياسية والاستراتيجية في مثل ظروف الثورة السورية التي تواطأ عليها الجميع أمرا سهلا ولكنه ليس أكثر صعوبة من أن يضع شاب روحه فوق راحته ويخرج لمواجهة الموت كفاحا …
الأكثر ريبة فيما طرحه المشاركون في ندوة ( أمريكا والعالم الإسلامي ) في الدوحة وكما أوردته قناة الجزيرة هو حديث بعض قيادات المعارضة عن هدف استراتيجي هو إجبار النظام على الجلوس على مائدة المفاوضات !!
كأن الكلمات التي سطرت في كل وثائق المعارضة : إسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته كان مجرد لغو لا دلالة له ولا فيه …