صفعني يوما رمز من رموز المعارضة بل الثورة السورية وهو يجيب محاوره على قناة العربية عن سر بقاء مدينته خارج إطار الصراع بقوله وهو يبتسم ابتسام غبطة : إن ذلك كان قرارا ..!!
وبشكل تلقائي فهمت أن كل ما جرى ويجري في حلب وعلى أهلها من تدمير وإبادة وتهجير كان قرارا أيضا . وحين أتحدث عن حلب المحافظة الكبيرة الغنية فأنا أتحدث عن ثلث سورية بشريا . ومع ذلك ظللنا نقول إنه حين يتحول الوطن كله إلى ساحة حرب فلا يضير حلب أن تلقى ما لقيت أخواتها المجاهدات مدينة مدينة وبلدة بلدة وقرية قرية . من درعا عروس حوران إلى المليحة والمعضمية إلى حمص عماد الخيمة السورية في وسطها ، إلى إدلب بلداتها وقراها وجبلها وسهلها وواديها إلى الرقة ودير الزور وعرائس الساحل الجميلات الثائرات ..
ولكن الذي يضير بالفعل والذي يبعث الأسى ويذهب بالنفس حسرات أن نجد بعض الناس قد امتهن سياسة إشعال الحرائق والاستمتاع على طريقة نيرون بمشهد حرائق المدن . ورؤية أوابد العمران وهي تنهار . وأشلاء الأطقال تتبعثر هنا وهناك . ولعله يتأول في كل ذلك زيادة الزراية على بشار المبير وعصاباته .
على مدى سنوات من عمر الثورة واجهنا الكثير من أبناء المحافظة على طولها وعرضها ثوارها ومستضعفوها يتساءلون : أين موقع المحافظة على خارطة الذين يزعمون أنهم قادة الثورة والقائمون على أمرها ؟!
أين موقع الثوار واحتياجاتهم وهم يتحملون عبء الحفاظ على أكبر مساحة من الأرض المحررة وقد حاصرتهم استراتيجية العدو الماكر بين فكي كماشة ، وفرضت عليهم أن يحاربوا على محورين و جبهتين ؟!
أين موقع حق الأرملة واليتيم والمصاب والضعيف في حلب على أجندة هؤلاء ، الذين حين تسمع عن اسئثارهم وتمييزهم وعصبيتهم تسمع عجبا لا تجد لنفسك فسحة من دين في هذا الظرف العصيب لترويه ؟!
وعندما نتذاكر أسماء مؤسسات ومنظمات لامعة تعودنا أن نتحزم بها ، وأن ندعو إلى التعاون معها قيل كلام إلى الله منه المشتكى وعليه وحده فيه المعول . تعبير المحافظة اليتيمة ليس من وضعنا وإنما هو ابن رحم المعاناة من الذين يعايشون الواقع بكل أبعاده الثورية والإنسانية والخدمية على السواء . .
كل من يظن أن له عند حلب أو أحد من أهلها ثأرا ومن جميع المشتبكين ولا أستثني يظن أن هذا هو الوقت الأنسب لنيل ثأره وشفاء نهمة نقمة تحك في نفسه .
بعض الناس اصطنعوا لأنفسهم ثأرا تاريخيا عند شخص سموه باسمه أكثر من مرة على محطات الفضاء ليتهربوا به من تحمل مسئوليتهم التاريخية ثم ها هم أولاء يلقون إثم جريمة ذلك الشخص المتوهمة المتخيلة المدعاة على مدينة بأسرها ويسرون حسوا في ارتغاء وهم يثأرون من اليتيم والأرملة من أبنائها …
وكل من نظر في يوم إلى حلب ونشاط أبنائها نظرة حسد وحقد وضيق يتشفى اليوم أن النعمة التي طالما حسدها قد زالت عمن اصطنعه عدوا ويسره اليوم أن يرى هؤلاء الأعداء حفاة عراة عالة يتكففون الناس . ويشعره بالإشباع أكثر أن يتنمر عليهم وهو يقول له : لا ..
وبينما ينفق بعضهم المليون على قرية قد لا يتجاوز عدد سكانها 5000 إنسان ، ولسنا نحسد أحدا على فضل يصيبه بوجه حق ، يُلقى إلى أهل حلب ذات الملايين السبعة إذا حان وقت عطاء فتات الفتات .
شكا لي ثقة مأمون قال : ذهبت إلى رجل وسده الله كبير أمر أستعينه على أمر موقعة كبيرة كنا نخوضها في حلب وبلغت فيها القلوب الحناجر فقال لي : أنتم أهل حلب أغنياء لا تحتاجون إلى مال . قلت فاقرضني من مالنا الذي عندك ..
وسكتنا عن كل هذه الأثرة وتغاضينا عن كل هذه المرارات .وكنا أكبر من الشكوى ، مع أن ربنا رخص لمن ظلم ، وكنا حين ننظر إلى ما يجري على أهلنا في حوران أو في الغوطة أو في القلمون أو في حمص أو في جبل الزاوية ، وليست حلب أغلى علينا ولا أحب إلى قلوبنا من أي مدينة أو بلدة أو قرية من مدن وبلدات وقرى هذا الوطن الحبيب وما ينبغي لها أن تكون ، نقول قتيل في قومه ومظلوم بين ذويه ..
ولكننا اليوم ونحن نرى أن السكين في حلب وقد بلغ العظم . ولأننا نرى أن المعركة في حلب هي معركة وجود ليس لمحافظة هي الأكبر بين المحافظات السورية بل للثورة السورية كلها نقول لهؤلاء الذين احتجنوا المال وخزنوا السلاح وآثروا واستأثروا وأعطوا فحابوا وميزوا …
إنه قد آن الأوان لتنحوا ما في نفوسكم على حلب وتاريخها وحضارتها وأهلها جانبا ، وأن تنحوا حبكم للاستئثار وللاستعلاء على الناس بغير حق ؛ وأن تؤدوا لمعركة حلب ما تستحق وفورا ودون تأخير ..
وإن اعتذرتم بالعدم فستضيفون إلى كل ما يقال فيكم وعنكم صفة لا نحبها لكم ولا نظنكم تحبونها لأنفسكم ..
وإن جرى على حلب اليوم أمر نكرهه وقد صنعتم فيها الكثير مما كرهناه من قبل فستبؤون بإثمه وتتحملون وزره كاملا غير منقوص . واحذروا لعنة التاريخ أن تلزمكم وأنتم لا تشعرون
حلب اليوم تستغيث الذين خذلوها وتفننوا في الانتقام منها على مدى أربعين شهرا من عمر الثورة وتحذرهم اليوم أن يتمادوا في خذلانهم وأن يصموا عن نداء الحق آذانهم . وإنه لأمر جد وليس بالهزل …