” حصرم حلب ” هذه المرة استعارة من أمير الشعراء أحمد شوقي :
حكايـة عن ثعلـب . قـد مرّ بين العنب
ورأى العنقـود في . لـون كلون الذهب
والجوع قد أودى به . بعد أذان المغـرب
فهـم يبغـي أكلـة . منه ولـو بالتعـب
سعى فما أمكـن أن . يطلع فوق الخشب
فقال هذا حصـرم . رأيتـه فـي حلب
تحفظونها منذ كنتم أطفالا . هي اليوم تحتاج إلى إعادة إسقاط بطريقة بسيطة مباشرة ليس فيها أي تعقيد . فكل من فاته أمر عابه . وكل من درّ له ضرع لزمه …
لم أكن يوما مع الجربا ولا مع الصباغ ولا مع هادي البحرة ولم أكن ضدهم أيضا . وأنا اليوم لست معهم ولا ضدهم . هم رجال سياسة يجرون خلف الكرة التي يجري خلفها كل من شمر واهتم . ووضع طرف ثوبه في فمه وجرى فكان في حبه لما أحب كما قال أبو نواس :
حامل الهوى تعب ..يستخفه الطرب
كل من حولي من الناس كنا متفقين على أن الائتلاف في قيامه يوم قام قام على ريبة . كما قام على وعود . وعود ساخنة حارة مؤكدة في أفق وطني لا حزبي ولا فئوي . وقبل الجميع بإعطاء الائتلاف فرصة . ..
الظل اللغوي لكلمة فرصة يوحي بوقت مضيق كما يقول الفقهاء . في المدرسة نحضر درسا لمدة خمسين دقيقة ثم نحصل على فرصة لمدة عشر دقائق . ولكن فرصة الائتلاف رغم أنها كان يمكن أن تنتهي منذ الأشهر الثلاثة الأولى عند أهل الجد أو الأشهر الستة الأولى عند من يقول أن الوعد السياسي يقترن بالعطف بثم المرتبط بالتراخي وليس العطف بالواو الذي يعني المصاحبة أو المعية أو الفاء التي تعني التترتيب والتعقيب وأحيانا السببية . وهكذا امتد عمر الائتلاف إلى ما يقرب من عشرين شهرا . تشرين ثاني / 2012
طاب للبعض الجلوس تحت ( ثريات الوهج أو اللهب ) وأخذوا يسوّقون الائتلاف وشخصياته تسويقا غير سياسي لشخصيات لم تكن في يوم من الأيام إلا سياسية ، تبحث عن مصالحها ومصالح من يوظفها . وفي مناخ لا يتعامل الذي يعيشون فيه بغير معنى ( ألأخ ) و( الصديق الوفي ) كان على المسوّقين أن يستخدموا مصطلحات لا تليق بحق أقوام ( هم هم ) ولا أريد أن أقول إنهم خدعونا أو كذبوا علينا ولكن أنفسنا كذبت علينا أو ( كذب بعضي على بعضي معي ) كما يقول الشاعر . وارتكبت مخالفات شخصانية كان يمكن أن تودي بحجر الأساس الذي يقف عليه المتوافقون .
بل بدا لبعضٍ أن يستبدل حليفا بأخ غرورا وسذاجة عهدناها وألفناها واحتملناها سنين طويلا وذلك يذكرنا بقصة دريد بن الصمة الجشمي بعد يومه بمنعرج اللوى فقد قتل يومها أخوه عبد الله الذي قال فيه ..
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا … فقلت أعبد الله ذلكـم الردي
فإن يك عبد الله خلـى مكانـه … فلم يك وقافا ولا طائش اليد
يومها أصيب دريد إصابة بالغة لزم فيها الفراش زمانا طويلا حتى يُئس منه . وكثر عواده . وملته زوجه سليمى . جاءه يومه عواده فمروا بأمه فقالوا لها : كيف حال دريد قالت الأم : أصبح بحمد الله بارئا . ومروا بزوجه سليمى فقالوا لها كيف أصبح دريد فقالت : لا هو حي فيرجى ولا هو ميت فينسى ..
فقال دريد قصيدته الشهيرة يوازن بها العلاقة بين الأم والزوج أسوقها للذين باعوا إخوانهم لشراء تحالفات من ورق وكراسي من خرق . قال دريد يومها ..
أرى أم صخر لا تمل عيادتي … وملت سليمى موضعي ومكاني
فأيّ امرئ سـاوى بأم حليلةَ ….فلا عاش إلا في شقا وهـوان
أهم بأمر الحـزم لو أستطيعه … وقد حيل بين العير والنزوان
وقبل أن يحال بين العير والنزوان نقول إن الائتلاف الذي قام على ريبة كما كنا متوافقين عليه منذ يومه الأول . وبعد أن نكص الواعدون بكل وعد وعدوه ونكثوا بكل عهد قطعوه . وبغض النظر عن موقعنا فيه فقد حصحص الحق أنه المركب الذي يسعى إلى تصفية الثورة السورية . وتعليل ثوارها بالأمل الكاذب فعل الأم التي كانت تطبخ الحصى في قلب الصحراء . فأي حرص لدى عاقل أن يكون شريكا في هذا الخزي والإثم .
فلننسحب من هذا المركب ولو على طريقة سيدنا يونس فسيعوضنا الله عنه بصدق التسبيح …
فلننسحب منه ولنلتفت إلى مركبنا الذي عطلناه ، وإلى إخوتنا التي أوهناها ، وإلى رأسمالنا الذي عهده شعبنا منا الصدق والأمانة والشفافية وإن كان ثوبنا مرقعة مثل مرقعة سيدنا عمر .
لننسحب من هذا الائتلاف فإن كان وجودنا فيه سببا لمنع الوعود من النفاد فلنفعل ذلك حبا لشعبنا وإيثارا لثورتنا . لعل الله يؤيد هذه الثورة بالرجل الذي حدثنا عنه سيدنا رسول الله ( الرجل …)
ولننسحب من هذا الائتلاف فإن كانت الأخرى فيكفي ما انغمست فيه أيدي البعض من النتن بل من الدماء …
سيحترم الناس أي قرار بالانسحاب قبل أن تتساقط الأوراق أما فعل ذلك بعد فستكون رسائل الانسحاب السلبية أكثر من أن تحصى وأولها الإدانة برفض نتائج الصندوق التي طالما تغنينا بها وما نحن بالذين يكيلون بالمكيالين . ورفض الاعتراف بالهزيمة والعجز عن تألف الناس لا بمشروعنا ولا بأخلاقنا . وأبسطها على الصعيد الشخصي أن يتذكر متذكر مثلي حكاية شوقي عن الثعلب وحصرم حلب …
ولسنا بالثعلب وليست عناقيد الائتلاف كثريات الذهب .