حول مسارعة الولايات المتحدة التدخل في العراق .. وسقطت تحليلات المحللين ومراهنات المراهنين ولم يبق إلا قراءة الصادقين
نعم تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وليس أوباما ، لأن الولايات المتحدة الدولة الديمقراطية العظيمة أكبر من أن تختصر في رئيس مهما كان شأن هذا الرئيس . هذا الاختصار ممكن في دول مقزمة مهشمة شعوبا ومؤسسات كدول عالمنا الرازح تحت ثقل مستعمريه ومستبديه ونخبه الرخوة العفنة من رجال دنيا ورجال دين .
تدخلت الولايات المتحدة في العراق وسقطت كل التحليلات التي كان يثيرها في وجوهنا المتفيهقون والثرثارون من المحللين والصحفيين الذين ما فتئوا يتفنون في سوق الأسباب الكاذبة لتخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن مسئوليتها الإنسانية والدولية عما جرى ويجري على أطفال سورية ونسائها بمن فيهم أولئك الذين حصدهم غاز السارين في غوطة دمشق .
أذكركم ببعض ما قالوا على مدى ثلاث سنين راعفة بالقتل والاغتصاب والتهجير والاعتقال والتعذيب ؛ فقبل عام من التجديد الانتخابي لأوباما قالوا: عليكم أن تنتظروا نتائج الانتخابات . وبعد الانتخابات تفتقت العبقرية السياسية للمحللين العرب والأمريكيين عن حقيقة أن أمريكا أسقطت ( الشرق الأوسط ) من حساباتها ، وأن عينيها الجميلتين معلقتان في هذا العصر بالشرق الأقصى حيث تنهض الاقتصادات العظيمة . وقالوا فيما قالوا : إن أوباما الذي دشن عهده بحصوله على جائزة نوبل للسلام لا يريد أن يختمه بالحرب . وأبدعوا فأضافوا إن أوباما قد عاهد ناخبيه أنه سيعود بالجنود الأمريكيين إلى البيت ولن يخلف أوباما وعده .
وأضافوا وهم يتلمظون إن الأزمة الاقتصادية التي تطحن أمريكا والغرب لا تسمح لأوباما بمغامرة أخرى . وزادونا من الشعر بيتا فقالوا إن المواطن الأمريكي غير مهتم بما يجري في سورية وعلى سكانها وأن الحاكم في دولة ديمقراطية لا يمكن أن يخرج عن إرادة ناخبيه . وأضافوا إن أمريكا تطوي أحلامها الامبراطورية وتتنحى بإرادتها عن موقع الصدارة العالمية ؛ كل هذا وكثير غيره قاله صحفيون محترمون ، ودارسون وباحثون وأساتذة جامعات يشار إليهم بالبنان ، ثم تأتي الاستجابة الأمريكية لما يجري في العراق وفي غضون أقل من ثلاثة شهور لتسخف كل ما قيل بل وكل من قال . ولتسقط التحليلات المتنطعة الواجفة .
التي لم يؤت أصحابها من جهل أبدا ، فأولئك العالمون جميعا كانوا يعلمون ؛ ولكنهم كانوا يؤثرون الإدهان والنفاق والملق للأمريكي القوي الغني وإن على حساب دماء الأبرياء من السوريين …
وكل أولئك كانوا يعرفون أن تربية ثعابين الإرهاب وأفاعيه كانت طريقة بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين وقبلا الأمريكيين للتهرب من استحقاق مساعدة السوريين لنيل حقهم في الحرية والكرامة الإنسانية . ذلك ؛ أن الولايات المتحدة وليس أوباما كانت ترى في الثورة على بشار الأسد ثورة على رئيس كرسته ( كنسيا ) وزيرة خارجية الولايات المتحدة مادلين أولبرايت ، وهذا الذي لا يمكن للولايات المتحدة أن تقبل به أو تعطيه حتى فرصة تجريبية للنجاح .
لقد تدخلت الولايات المتحدة في العراق لتدعم نظاما طائفيا فاسدا مستبدا سرق خلال عشر سنوات من حكم العراق ما لم تسرقه كل عهود الاستبداد التي خلت ، وقتل من خيرة أبنائه ما لم يقتل من قبل ، ومارس أشكالا من حروب الإبادة والتطهير أو التهجير المذهبي . ليبقى الفرق الأساسي فيما ارتكبه المالكي أو بشار الأسد وما يرتكبه هؤلاء المتخلفون الذين تقاتلهم الولايات المتحدة اليوم أن المالكي وبشار الأسد كانا وما زالا يقتلان الإنسان حامل الهوية التي تكره الولايات المتحدة العنصرية و الخارجة منذ عقود فقط من نظام التمييز العنصري .
تتدخل الولايات المتحدة في العراق لتجهض ثورة أبنائه ضد الظلم والفساد والاستبداد والطائفية كخطوة على طريق إعطاء بشار الأسد فرصته لإبادة من تبقى من عشرين مليون سوري لا يدينون لفساده واستبداده بالولاء لم ولن تهتز عاطفة إنسانية في قلب صاحب قرار أمريكي يتابع مقتل ربع مليون سوري منهم عشرون ألف طفل . فهذه في المنظور الأمريكي ليست حرب إبادة كما يراها كيري وإنما حرب الإبادة هي ما يجري في جبل سنجار – مع رفضنا واستنكارنا لأي عدوان على أي إنسان – جبل سنجار الذي لا يتجاوز عدد سكانه سكان حي قهوة الشعار أو طريق الباب في حلب الذي حرثته براميل ( بوتين – أوباما – بشار ) عشرات المرات ..
خرج السوريون منذ اليوم الأول يرفعون الشعارات والقيم الكونية فقُتلوا ، احتموا بالسلمية ونادوا بها والتحفوها ، وقالوا إننا في القرن الحادي والعشرين ، وقد أقرؤونا أن هناك قانونا دوليا يحمينا فقُتلوا ، شجبوا الطائفية وتبرؤوا منها ونادوا واحد واحد واحد الشعب السوري واحد فما أغنى ذلك عنهم عند العالم ( المتحضر ) شيئا وقتلوا ، استنجدوا استغاثوا استعطفوا فكان جوابهم عند الأمريكي وجلسائه في مجلس الأمن المزيد والمزيد من القتل …
يقرأ السوريون اليوم الصغار والكبار المثقفون والمتعلمون والأميون الرجال والنساء والأطفال بل والنطف التي لم تخلق بعد في جينيات الآباء والأمهات على طريقتهم مسارعة الولايات المتحدة لدعم المشروع الصفوي الإيراني الطائفي المذهبي في العراق وتخلفها عن القيام ببعض المسئولية الإنسانية تجاههم ، ولو بإلقاء بعض الزاد على المناطق المحررة كما ألقتها على سكان جبل سنجار ..
ولن يصدق السوريون بعد اليوم أي كذاب يقول نحن نتدخل ، أو هم يتدخلون ، ضد من يسمونهم ( الإرهابيين ) لأن هؤلاء الإرهابيين قتلوا أيضا في حلب وفي الرقة وفي دير الزور وما زالوا يقتلون..
التدخل الأمريكي في العراق هو تدخل أمريكي سافر ليس لإنقاذ النظام الطائفي هناك فقط ، بل لإنقاذ بشار الأسد ولرفع معنويات حسن نصر الله التي حطمها ثوار سورية في القلمون ، وهو محاولة جادة من الإدارة الأمريكية لتنفيذ بنود الصفقة ( الإيرانية – الأمريكية ) في إلحاق الشرق العربي كمنطقة نفوذ أولى للولي الفقيه لسلطانه ومذهبه وثقافته . الولي الفقيه الذي عودنا أن يسخر من عقولنا بالهتاف الدائم : الموت لأمريكا .والذي قبل أن يلعب دوره في منطقتنا كبير خدم أمريكا.