لهذا السبب يقتلونك يا ولدي …جفف دموعك .. وكن مخيفا ولا تكن شريرا …وارفض شفقتهم
عندما سأل الطفل السوري ، منذ أكثر من عام ، على الهواء وصوته يتهدج بالبكاء : لماذا يقتلوننا ..؟! طرح سؤالا صعبا على الضمير الإنساني ، ولم يكن المنتظر جوابا كلاميا من جنس السؤال كالذي نحاوله الآن . فمثل هذا السؤال البريء لا يجاب
عليه بكلام ؛ وإنما يجاب عليه بمبادرة عاجلة سريعة توقف شلال الدم ، وتصادر أسباب القتل ، وتأخذ على أيدي القتلة المجرمين ، وتسكب والأمن والحب في قلوب أطفال سورية ، وتنعش أحلامهم ، وتحيي آمالهم .
ولكن السؤال الذي طرحه الطفل ابن الثامنة قد مر بلا جواب ، وأصبح ابن الثامنة بعد عام في التاسعة وابن السابعة في الثامنة وابن الخامسة عشرة أصبح خلال ثلاث سنوات من عمر الهولكست المفروض على مسلمي سورية في الثامنة عشرة ، وانتصبت أصابع جديدة على الزناد ، وظل السؤال حائرا يتردد في عقول وقلوب الطفولة المهدورة في سورية المنكوبة .
لماذا يقتلوننا ؟! الطفولة تسأل ؛ ولكن ما من مجيب !!!!!!!
ونعلم جميعا أن أحلام الأطفال والفتيان من أبناء كل جيل تكون رغائبية بسيطة لدى فئة عمرية ( قرطة خيارة ) كما عبر عنها أحدهم ، أو وجبة شهيه غير ( البرغل والرز ) كما أطلقتها أخرى . بالمناسبة اليوم وبعد جهود بان كيمون وتدخلات أوباما قائد العالم الحر ومن لف لفه من أصدقاء الشعب السوري أصبح البرغل والرز حلما لا يناله الأطفال ، كما تكون أحلام الطفولة لدى فئة عمرية أخرى وردية مجنحة تتطلع إلى التفوق والنجاح والسعادة والحب وإلى أشياء كثيرة أخرى ليس منها الموت ، وليس منها أن يعيش أحدهم عبدا تحت بسطار طائفي يدوس وجهه ، وليس منها أن يموت الطفل مقتولا برصاص قناص صفوي متخصص في اصطياد الأطفال ، أو مجندلا بحربة مجرم لبناني أرسله حسن نصر الشيطان وسكتت عنه حكومته لإشباع نهمته السادية من الأجساد السورية الغضة ومن الأحلام الوردية الجميلة ..
وما يزال سؤال الطفل السوري الحائر بحاجة إلى جواب ، وما يزال يفرض نفسه على أجندة كل الذين يزعمون العناية بالطفل والطفولة .. المطلوب منهم ولو كانوا لا يملكون إلا الكلمات ، مثل كاتب هذا المقال ، أن يجيبوا على السؤال الحثيث بالصدق والعفوية والمباشرة والشفافية التي تجد طريقها إلى قلب الطفولة وعقلها ..
ويبدو أن الصدق والعفوية والمباشرة والشفافية هي العقبات الأساسية التي تحول بين الكثيرين وبين أن يقولوا . في شريعتنا الإسلامية التي يكرهونها ويحاربونها يعتبر الكذب على الطفل جريمة وإثما ولو كانت في مستوى أن تقول الأم لطفلها ( تعال أعطيك ) وهي لا تعطيه . لعل هذا يجعل صاحب المقال يتردد إذ يأبى أن يخوض مع الخائضين ، فيردد على مسامع أطفال سورية اليوم حكايات ( بابا نويل ) أو ( سانتا كلوز ) وكيسه المملوء بالهدايا ..
اعذروني إذا أنهيت مقالي بوصيتي لحفيدي السوري أينما كان كن مخيفا يا بني .. كن مخيفا ولكن لا تكن قاتلا شريرا مثلهم ، كن مخيفا ولا تصدق أكاذيب ( بان كيمون ) وعصاباته الدولية والعالمية ، كن مخيفا لئلا تلقى مصرعك المخيف على يد غيلان البشر الكذابين الدجالين القتلة المنحطين من كل الذين يبتسمون لك وهم يقدمون لك قضمة الخبز المغموسة بالمن والأذى ..
اعذروني إذا قلت لحفيدي الطفل السوري من حقك أن تعرف يا ولدي لماذا يقتلونك ويقتلون إخوانك ويقتلونك أخواتك ، ولماذا قتلوا أباك وعمك وابن خالتك وابن عمتك ..
من حقك أن تعرف لماذا دمروا داركم وحيكم وقريتكم ومدينتكم ، ومن حقك أن تعرف لماذا يقصفونكم بطائراتهم ومدافعهم ودبابتهم ، لماذا يقتلونك أنت وكل الذين رأيتهم صرعى مضرجين بدمائهم على الأرض حولك أو على شاشات التلفزيون في نشرات الصباح أو المساء .
يجب أن تعرف – يا ولدي – أن هذه الطائرات التي تحمل إليك وإلى إخوانك الموت والحقد مملوءً ببرميل ليست طائرة بشار الأسد وحسن نصر الله وخمنئي وبوتين وحدهم ، فهذه الطائرة ما كان لها أن ترتفع شبرا على الأرض لولا موافقة الأمريكي والفرنسي والإنكليزي والألماني ولولا موافقة كل أصحاب العمائم والقلانس من شركاء صناع السياسة أو عملائهم .
يجب أن تعرف – يا ولدي – لأنك إن لم تعرف فسيظل مسلسل القتل يعرض عليك وعلى أجيال ممن سيأتي بعدك كمسلسل باب الحارة ليس في كل رمضان ، بل على مدار الشهور والأعوام .. مسلسل القتل الذي انطلق من دير ياسين وقبية وحيفا ويافا وعكا ثم مر على حماة وحلب وجسر الشغور وعلى تل الزعتر والكرنتينا وعلى صبرا وشاتيلا وعلى قانا وعين الحلوة والذي يستمر عرضه الذي تشاهده اليوم ممتدا من غزة هاشم إلى شهباء سيف الدولة مرورا بكل قرية وحي وبيت .
وقبل أن تعرف لماذا يقتلونك يا ولدي ، ولماذا قتلوا إخوانك محمد وأحمد ومحمودا وعمر وعثمان وعليا وخالدا ، ولماذا قتلوا شقيقتك الصغيرة فاطمة ، ولماذا دفنوا ابنة جيرانكم عائشة تحت تراب منزلها ، ولماذا خرجت والدة ابن جيرانكم سعد من بيتها تولول وهي شبه عارية ممزقة الثياب ، بعد أن اقتحمته عليها عصابات أشرار العالم الأسدية ؛ يجب أن تعرف يا ولدي من يقتلك ؟! بل من فعل بك وبوطنك وبأهلك كل هذا الذي تسأل عنه ؟ عليك أن تعرف أولا عصابات بشار الأسد عالمية دولية وليست أسدية أو إيرانية أو روسية فقط ..
نتعلم يا ولدي أن معرفة من ؟ يجب أن تتقدم على معرفة لماذا ؟ وحين تعرف ( من ؟ ) يسهل عليك معرفة ( لماذا ؟) . فمن هؤلاء الذين فعلوا وما يزالون يفعلون بك وبأبناء جيلك وأبناء أمتك كل هذا الذي ترى وتسمع وتعيش ..؟!
يقولون لك هم بشار الأسد وعصاباته الذين تراهم يقصفون بالطائرات وبالمدافع والدبابات نعم ولكن هذه المعرفة الصغيرة والمباشرة لن تنفعك كثيرا في رد العدوان وكبح الطغيان والخروج من تحت رحى الموت الذي يطحنك وأبناء أمتك منذ عقود..
ودعني يا ولدي أبسط لك الأمر أكثر ..
حين ترى صورة قلم يكتب على ورقة ، أو ريشة ترسم على لوحة ، وترى القلم يكتب كلمات قاسية نازفة ، والريشة ترسم بالدم الأحمر القاني والساخن لوحة بشعة مليئة بالأشلاء ..
لا يجوز وأنت ترى المشهد الأليم أن تفكر فقط في كسر القلم ونتف شعرات الريشة ، بل يجب أن تدرك بعقلك وقلبك أن وراء القلم والريشة يدا تحركهما ..
وتدرك أن وراء اليد شريرا يمتلئ عقله بالمكر وقلبه بالكراهية والحقد يحرك اليد التي تخط بالقلم ، وترسم بالريشة ..
وعليك أن تعلم الآن أن هذا الشرير المختبئ ، وراء الستارة، هو الذي يفعل بك وبأهلك وجيرانك وأهل بلدك هذا الذي تراه .
هذا الشرير القاتل لا ينتج عقله إلا الشر ولا ينفح قلبه إلا الكراهية . هذا الشرير هو الذي يصنع الموت لك ولأسرتك ولأبناء حيك ولأبناء بلدتك ومدينتك ولأبناء أمتك .. ..
إن الذين يقتلونك – يا ولدي – هم الأشرار المجرمون حول العالم في حلفهم التاريخي الأبدي ضد كل ما هو جميل وخيّر وحق على ظهر هذه الأرض ..
إنهم هؤلاء أصحاب الياقات البيضاء الذين تراهم كل يوم في صدر نشرات الأخبار يتحدثون ، هؤلاء هم الذين يسلطون بشار الأسد عليك ويسخرونه لقتلك وقتل أبناء جيلك وقتل كل ملامح الجمال والخير في حياتك ..
بشار الأسد وعصابته من المجرمين مجرد أداة بأيديهم . ولولا رضاهم بما يفعل بشار ، وصمتهم عما يفعل بشار ، لما كان بشار الأسد وعصابته من المجرمين قادرين على قتل ذبابة ..
ولو أرادوا يا – ولدي – لما تركوا للطائرة التي ألقت عليكم برميل القتل المتفجر فقتلت شقيقتك فاطمة أن تطير ، ولو أرادوا لما استطاع بشار الأسد أن يجد حشوة برميل الموت الذي ألقاه عليكم فدمر داركم ، ولو أرادوا لما بقي بشار في مقعده ثلاثة أيام وليس ثلاث سنوات…
فإذا عرفت هؤلاء الأشرار المجرمين المنتشرين حول العالم فيجب ألا تخدعك ابتسامتهم …
ويجب ألا تصدق أكاذيبهم ..
ويجب ألا تعقد أمل رجاء عليهم ..
ويجب أن تشم الريح الكريهة التي تخرج من أفواههم وهم يتحدثون عن الإنسانية والإخاء والحب ..
أن تشم ريحهم ولو كان حديثهم على شاشة التلفزيون
( الحب ) الذي يدعيه هؤلاء هو هذا الذي يقدمونه لبشار الأسد ليحشو به براميل قتله أو ليملأ به خزانات طائراته لتقتلك وتقتل كل أبناء جيلك ..
أطلت عليك – يا ولدي – ولعلك بعد أن عرفت الذين يقتلونك قد عرفت لماذا يقتلونك ..؟
عرفت أنهم يقتلونك فقط لأنك حفظت سورة الفاتحة ترتل فيها : الحمد لله رب العالمين
وهم يريدونك عبدا لهم تحمدهم وتشكرهم وتضع خدك بساطا لأحذيتهم ..
وسيظلون يقتلونك ..
دمك ودموعك وعذاباتك لن تحرك شفقتهم فلا تنتظر شفقتهم .. بل كن طفلا رجلا وارفض شفقتهم الكاذبة الممزوجة بسم الذلة والمسكنة التي يريدون أن يلقوا عليك ظلالها ..
ارفض ظلال عبوديتهم وذلهم ومسكنتهم وعد إلى ظلال القرآن الذي علمك أن تقول في اليوم أكثر من ثلاثين مرة : اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ..
وَلاَ الضَّالِّينَ …
وهؤلاء الأشرار المجرمون هم المغضوب عليهم والضالون الذين تسأل الله أن يجنبك طريقهم .
هؤلاء الأشرار مخيفون يا ولدي . ..
ولن ينفعك معهم إلا أن تكون مخيفا مثلهم بل أكثر منهم بل أكثر وأكثر وأكثر منهم فقط لتخيفهم وتدفع شرهم ..
كن مخيفا – يا ولدي – ولكن احذر أن تكون شقيا حاقدا مجرما شريرا مثلهم ..