نعم، انتصرت غزة رغم أنف الكائدين، ونحن في إثرها ماضون بإذن الله رب العالمين. ولكنّا نرثي لأنفسنا حينما ننظر إلى مجاهدي فلسطين فنراهم على قلب رجل واحد وتحت قيادة واحدة راشدة ثم ننظر إلى ثورتنا فنرى مجاهدينا مفرَّقين شَذَر مَذَر، ونُشفق على ثورتنا حينما نقارن قياداتها السياسية الفاشلة بعمالقة حماس من أمثال أبي العبد وأبي الوليد.
فيما كان قادة حماس يقودون معركة الكرامة والشرف بتفانٍ وإخلاص ويقدّمون مصلحة الثورة والأمة والوطن على المصالح الفردية والمكاسب الشخصية كان قادة المعارضة السياسية السورية مشغولين بترتيب التحالفات وحَبْك المؤامرات لإسقاط حكومة وتشكيل حكومة. في الوقت الذي يخجل فيه السوريون بمَن يُسمَّون -زوراً- قادةَ المعارضة السياسية ولا يجدون في كلماتهم إلا الضعف ولا يرون في أعينهم إلا الهزيمة والاستسلام، في هذا الوقت يرفع الفلسطينيون رؤوسهم بقادة كخالد مشعل وإسماعيل هنية، قادة تسمع في كلماتهم نبرة العزيمة والثقة والإيمان وترى في أعينهم بريق الانتصار.
سمعت خطابات مشعل وهنية وأبي عبيدة منذ بداية العدوان الآثم على غزة إلى اليوم، فما وجدت فيها إلا العزيمة الصادقة والشجاعة الفذّة والثقة بالله وبنصر الله والإيمان بقوة الشعب الفلسطيني وثباته في الميدان، وسمعت ألف خطاب لساسَة سوريا الخائبين فارتجف قلبي من الضعف والتهافت والاستسلام. إنما الصبر بالتصبّر، ومَن قال هلك الناس فهو أهلكهم، ومن قال نجا الناس وانتصروا فهو نجّاهم ونصرهم بأمر الله رب العالمين.
كم يتمنى السوريون لو أنّ فيهم أمثالَ هؤلاء القادة الذين يصنعون النصر بدلاً من سياسيّيهم الذين يصنعون الهزيمة والانكسار، حتى ليكاد قائلهم يقول: أعيرونا أبا العبد وأبا الوليد يوماً وخذوا معارضتَنا السياسية كلها سائرَ الأيام!
لقد فشل الائتلاف في تحقيق أي نصر للثورة في أروقة السياسة، وهي مهمته الرئيسية، وفشل في تقديم أي معونة عسكرية للثورة من خلال هيئة الأركان التي بقيت أداة في لعبة المزايدات والصراع على النفوذ، ثم أصرّ على تحويل الحكومة إلى كرة تتقاذفها الأرجل في مباراة السيطرة على الميدان السياسي للثورة، فماذا بقي؟
من حقي أن أقول ولو أغضبت بعض الناس: إن الإئتلاف خائن حتى يثبت العكس. لا أقول إن أعضاء الائتلاف كلهم خونة، فإن فيهم ثلّة من الشرفاء الضعفاء الذين لم يعد لهم أثر في سياسته وقراراته، فإما أن يصلحوه -لو استطاعوا- أو يتركوه، لأن الشعب السوري الحر الأبيّ الذي صنع الثورة أولَ مرة يوشك أن يُغرق هذه السفينة الصَّدِئة بمَن بقي فيها من ركّاب.
متى سنتخلص من هذا العبء الثقيل الذي ابتُليت به الثورة السورية؟ متى سيظهر فينا أمثال قادة حماس الشرفاء الأقوياء الذين يحسنون قيادة السفينة في لُجّ الثورة المضطرب، ويمنحون الناسَ القوّةَ والثبات ويمدّونهم بالعزيمة والأمل؟ كم نفتقد البُدورَ في ليلتنا الطويلة الظلماء.