هناك قصة ظريفة تكررت كثيرا في مواقع الإنترنت، وتناقلتها رسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. والقصة رواها شاب عربي ذهب إلى ألمانيا للدراسة ظاناً أنه سيجد فيها رغد العيش والحياة الفاخرة، نظراً لمكانتها الصناعية في أوروبا، لكنه فوجئ بغير ذلك، حيث يعيش الناس في حياة محسوبة بدقة. ويتحدث الشاب عن الحفل الذي أقامه زملاؤه للترحيب به، وكان ذلك في أحد المطاعم. ويروي كيف أنه فوجئ بكميات الطعام القليلة التي وجدها على طاولات الألمان في المطعم، لاسيما طاولة زوجين شابين، مما جعله يتساءل في نفسه إن كانت تلك الوجبة البسيطة تتصف بالرومانسية، وكيف ستصف الزوجة الشابة زوجها أو خطيبها بالبخل في ذلك البلد الصناعي، في حين حفلت طاولة الشباب العرب الذين أقاموا الحفل بما لذ وطاب من الطعام الذي لم يستطيعوا أن يتناولوه كله رغم جوعهم، فتركوا ما يقرب من ثلثه على الطاولة!
ويكمل صاحبنا بأنه كان في المطعم بعض السيدات الألمانيات المسنّات اللواتي أبدين استياءهن من وجود كمية متبقية من الطعام على طاولة الشباب العرب! وعندما قال أحد الشباب: لقد دفعنا ثمن الطعام كاملا، فلماذا تتدخلن فيما لا يعنيكن؟ قامت إحداهن بعمل اتصال هاتفي، جاء على إثره رجل بزي رسمي قدّم نفسه على أنه “ضابط في مؤسسة التأمينات الاجتماعية” وحرر للشباب مخالفة بقيمة 50 يورو! وهو يقول بلهجة حازمة (اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها! المال لكم، لكن الموارد للمجتمع الإنساني! وهناك العديد من البشر على هذه الكرة الأرضية الذين يواجهون نقص الموارد. وليس لديكم أدنى سبب لهدر تلك الموارد). ولم يجدوا بداً من دفع الغرامة مع الاعتذار. ويعلق صاحب القصة بأن وجوه الشباب قد احمرت خجلا، لكنهم أخذوا درساً عملياً لن ينسوه أبداً لاسيما وأن الذي دفع الغرامة قد صوّر تذكرة المخالفة وأعطى كل واحد منهم نسخة عنها كهدية تذكارية كيلا ينسوا أن الموارد للمجتمع.
عندما يقرأ أحدنا القصة ثم يشاهد الأخبار ويرى إخوانا لنا في بلاد كثيرة لا يجدون ما يأكلون، لاسيما إخواننا الكرام في بلاد الشام، الذين يعانون اليوم من حر الصيف كما عانوا قبله من برد الشتاء، نجد أنه لزاماً علينا أن نراجع حساباتنا فيما مضى من شهر رمضان المبارك، ومن دروسه الكثيرة التي تعلمناها حول الحكمة من الصيام، فنقتصد في الطعام، لاسيما في أيام العيد القادمة، فلا نجعلها تعويضاً عما فاتنا في الشهر الكريم، بل نفكر في كيفية توصيل الطعام إلى إخواننا اللاجئين والمشردين، متذكرين القاعدة التي أقرها ذلك الشرطي الألماني: المال لك والموارد للجميع. فهذه هي تذكرة الوقت الذي نحن فيه، لاسيما ونحن نقرأ قول الحق تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)، وندعو بما جاء في أحد أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم (وأسألُك القصدَ في الفقرِ والغنَى)، والقصد هو التوسط، أي من غير إسراف ولا تقتير، ومنه جاءت كلمة الاقتصاد، وهو العلم الذي يبحث في الإنتاج والثّرْوات وطُرْق اسْتِهلاكها.