1- استعرتُ عنوان هذه المقالة من مقالة نشرتها قبل ثلاثة عشر شهراً على إثر التهديد الأمريكي بضرب نظام الأسد. وقد وددت أن أعيد نشرَ تلك المقالة كاملة بلا زيادة ولا نقصان، على أن أستبدل بكلمة “النظام” -أينما جاءت فيها- كلمة “داعش”، فإن الاثنين في الشرّ سواء وعداءهما لنا واحد، فلزم أن يكون موقفُنا من الحملة الغربية على أيّهما واحداً كذلك، ومَن ظن أن داعش تستحق موقفاً مختلفاً لأنها ترفع راية سوداء موشّاة بعبارة التوحيد فإنه واهِمٌ أو مخدوع.
إنّما هما مقدمتان ونتيجة. المقدمة الأولى: الولايات المتحدة عدو لسوريا وشعبها وثورتها وللإسلام والمسلمين. المقدمة الثانية: داعش عدو لسوريا وشعبها وثورتها وللإسلام والمسلمين. النتيجة: ليس النزاع بين داعش وأمريكا نزاعاً بين حق وباطل أبداً. إنه نزاع بين باطلَين، وإنّا داعون: اللهمّ اضرب الأعداء بالأعداء والظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين غانمين.
2- إن شاءت أمريكا أن تضرب داعش فلتفعل، ولكن لا تتوقّعْ أن نكون طرفاً في معركتها فنقاتل تحت رايتها أو ضمن تحالفها، فإنّ لها معركتَها ولنا معركتَنا، ولها أهدافها ولنا أهدافنا، وهي دولة معادية منافقة كانت سبباً في معاناتنا وما تزال، فلئن أعنّاها في معركتها فإنما نُعينها على أنفسنا ولا نعينها على داعش فحسب، فخيرٌ لنا أن ننأى بأنفسنا عن مشروعها الخبيث ونمضي في مشروعنا المبارك لاستئصال داعش وإخراجها من الشام، وهي غايةٌ ليست في خطة أمريكا وبرنامجها على المدى المنظور.
إذا كنا لم نُخدَع براية إسلامية رفعتها داعش فمن باب أَولى أن لا نُخدع بشعارات برّاقة تروّجها أمريكا ومزاعم كاذبة تحاول إقناعنا بها. لم تعد تغشّنا الدموع في عيني الصيّاد ونحن ننظر إلى السكين في يده؛ لو أرادت أمريكا أن تساعد السوريين لما منعت عنهم السلاح الذي يدافعون به عن أنفسهم ولما أمدّت عدوهم بأسباب البقاء. لو كانت ذات قلب رحيم -كما تزعم- لقاتلت النظام الذي يرجم الشعب الأعزل منذ دهر ببراميل الموت، ولكوّنت الأحلاف وجيّشت الجيوش لقتاله لا لقتال داعش فحسب.
لقد أرادت أمريكا على الدوام أن تُهزَم ثورتُنا وكانت عدواً لسوريا والسوريين منذ سبعين عاماً وما تزال. لن نثق برأس النفاق في العالم ولن نكون طرفاً في حلف أمريكي أبداً إلا إذا فقدنا العقل والدين.
3- نحن لم ننتظر إذناً من أحد ولا طلبنا من أحد أن يساعدنا في قتال داعش التي اعتدت علينا فاحتلّت أرضنا وقتلت مجاهدينا وكانت أشدَّ علينا من عدونا الظاهر. لقد توكلنا على الله ثم اعتمدنا على أنفسنا فقاتلناها منذ عام، من قبل أن تكتشف أمريكا أنها عدو يستحق القتال، وما زلنا نقاتلها إلى اليوم. ونحن نوقن بأن داعش عدو أثيم وأن أمريكا عدو لئيم وأنهما كلاهما من الظالمين، وأن الله -من رحمته بالمؤمنين- يشغل أعداءهم بعضَهم ببعض ويضرب الظالمين بالظالمين.
رُوي عن السلف الصالح أنهم كانوا يَدْعون فيقولون: “اللهمّ أشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين”. وقد ورد في الخبر أن “الظالم سيف الله في الأرض، ينتقم به ثم ينتقم منه”، وفي حديث جابر الذي أخرجه الطبراني في الأوسط والهيثمي في مجمع الزوائد (وضعّفه أصحاب الحديث): “إن الله عز وجل يقول: إني لأنتقم ممّن أُبغض بمَن أبغض، ثم أصيّر كلاً إلى النار”. وهذا المعنى متحقق في قوله تعالى: {وكذلك نُوَلّي بعضَ الظالمين بعضاً بما كانوا يكسِبون}. ذكر الطبري في تفسير الآية: “نسلط بعض الظّلَمة على بعض”، ونقل القرطبي عن ابن زيد في معناها: “نسلّط الظالم على الظالم فيهلكه ويذلّه”.
لقد نافسَت داعش نظامَ الأسد في الظلم والعدوان فحقّ عليها أن يضربها الله بمن شاء من عباده. اللهمّ سلط عليها شرار خلقك يسومونها خطة الذل والهلاك.
4- يسأل كثير من الناس عن موقفنا من الحرب التي يهدد النظام الدولي بشنّها على داعش. الجواب سهل قريب: إنه موقفنا نفسُه من أي حرب مشابهة يمكن أن يشنّها النظام الدولي على نظام الاحتلال الأسدي. ما سنصنعه إذا وقعت الحرب بين داعش والتحالف الغربي هو ما سنصنعه إذا وقعت الحرب بين التحالف ونظام الأسد، وهو بإيجاز:
1- نشجّع الفريقين على الاقتتال لأنه لا بد أن يُضعف أحدَهما، وضَعفُ أي منهما مكسبٌ للمسلمين.
2- لا ننصر أياً منهما على الآخر، وإنما نبتهل إلى الله بأن يطيل القتال بينهما ويشغلهما به عن المسلمين.
3- نستغلّ انشغال الفريقين بالحرب ونسعى للحصول على مكاسب وتحقيق انتصارات على الأرض.
الترجمة العملية للمقترحات السابقة هي أن نستمر بقتال عصابة داعش كما كنا نفعل، وأن نضربها في كل مكان توجد فيه بكل قوة نملكها، وأن نستغل انشغالها بغيرنا فنحرر المناطق التي احتلتها غدراً وعدواناً ونُجليها عنها، وأن لا نقع ضحية للسذاجة وطيبة القلب فنظن أن علينا الاصطفاف مع داعش وتوفير الحماية والنصرة لمقاتليها لأنها في حرب مع أعداء الأمة، بل إن الدواعش سيظلون أعداءً مهدوري الدم ولو حاربتهم أمريكا، لأنهم سيعودون إلينا ويحتلون أرضنا ويقطعون رؤوسنا لو انتصروا في المعركة لا قدّر الله.
5- استعرتُ عنوانَ هذه المقالة من مقالتي القديمة وسوف أستعير خاتمتها أيضاً: خلاصة موقفنا من أي حملة تشنها أمريكا على عدونا تتلخص في ثلاث مسائل:
الأولى: نحن نوقن بأن الله يمكن أن يؤيد جنودَه بالفاجر الكافر، وأنه إذا قضى أن يضرب ظالماً بظالم فإن قضاءه لا يُرَدّ. ومع هذا اليقين فإن ميزاننا لا يضطرب ولا نضلّ، فنعلم أن أمريكا عدو حقيقي لنا، فهي لم تُرد لنا قَطّ خيراً ولا تريد لنا اليومَ أي خير، بل تريد لنا الشر كما أرادته على الدوام.
الثانية: يتبع ذلك أن لا نغفل عن الخطر الكامن الذي سينشأ من تدخل عدو جديد في معركتنا التي نخوضها مع العدو القديم. وبما أن المؤمن كيّس فَطِن فإن علينا أن نتصور الأخطار المتوقَّعة، فنستعد لكل طارئ ونفتح أعيننا حتى لا نُخدَع، وحتى لا يصل إلينا شيء من أذى العدو الأمريكي الغادر الماكر.
الثالثة: مهما يكن أثر الضربة في عدونا فإننا نعلم أن الإنجاز الحقيقي هو الذي نصنعه بأنفسنا في الميدان، لذلك فإننا لم ننتظر أن يقاتل أحدٌ بالنيابة عنا، بل بدأنا معركتنا مع عدونا بأنفسنا، ونحن ماضون فيها سواء أضربت أمريكا عدونا أم لم تفعل. لقد قطعنا الجزء الأطول من الطريق وحدنا، وسوف نكمل وحدَنا ما بقي من الطريق بعون الله.